Atwasat

اليمن السعيد وليبيا الأسعد

عمر الكدي الإثنين 02 مارس 2015, 11:20 صباحا
عمر الكدي

بالرغم من بعد المسافة بين ليبيا واليمن إلا أن التشابه بينهما كبير، وخاصة خلال الأزمة التي يمر بها البلدان، وثمة من يقول إن ليبيا بتركيبتها الاجتماعية وثروتها النفطية والصحراء التي تغطي أغلب مساحتها كان يجب أن تكون بلدا خليجيا، يحكمها ملك أو أمير، إلا أن مفارقات التاريخ والجغرافيا جعلتها تطل على البحر المتوسط، فأحيانا تتجه نحو هذا البحر، وأحيانا أخرى تتقوقع وتتجه نحو صحرائها الشاسعة، فهي ليست مثل تونس تعبر أزمتها بالتوافق، وتتوغل في إرثها العلماني وهي تؤسس ديمقراطية جديدة تحاصرها دكتاتوريات عتيدة، وهي ليست مثل مصر التي تحكمها الدولة المركزية منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، ويمكنها الاعتماد على جيشها حين توشك مسبحتها على الانفراط.

ثمة حكومتان في ليبيا وحكومتان في اليمن، عندما تمكن الرئيس عبد ربه منصور هادي من الهرب من مكان إقامته الإجبارية في صنعاء إلى مدينة عدن، ومن هناك أعلن تخليه عن استقالته، بينما لا يزال رئيس الوزراء خالد بحاح رهينة عند الحوثيين، وفي ليبيا هرب رئيس الحكومة المؤقتة من طرابلس إلى البيضاء، بينما فضل مجلس النواب اللجوء إلى طبرق هربا من سطوة فجر ليبيا أو من"حوثيي ليبيا".

فجر ليبيا تدعمها تركيا وقطر بينما تدعم إيران جماعة الحوثي التي قاتلت نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح خمس مرات، وبفضل صالح تمكن الحوثيون من احتلال معظم شمال اليمن، فصالح لا يزال يسيطر على قطاعات كبيرة من القوات المسلحة، وتعتبر قبيلته حاشد من أكبر قبائل اليمن، كما أن الأموال التي سرقها خلال سنوات حكمه الطويل تكفلت بشراء الذمم في بلد يحتقر معظم سكانه الدولة كما يحتقرها الليبيون.

فإذا كان رئيس الحكومة السابق علي زيدان قد اختطف في طرابلس، فها هو رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح لا يزال مخطوفا مع جميع وزرائه، ومن شدة الشبه بين ليبيا واليمن، ألغى الحوثيون الدستور اليمني، واكتفوا بإعلان دستوري وفوضوا"اللجان الثورية" إدارة البلاد، كما أن هناك تشابها كبيرا بين الرئيس هادي وعبد الله الثني، فالاثنان عسكريان وتوليا منصب وزارة الدفاع، بالإضافة إلى أن الاثنين ينتميان للجنوب، وكان هادي قد انحاز خلال الحرب الأهلية إلى الرئيس صالح في الحرب الأهلية عام 1994 فعينه وزيرا للدفاع، ولأنه في حاجة لشخصية جنوبية لتعيينه نائبا للرئيس وجد في هادي كل المواصفات، مثلما عين علي زيدان عبد الله الثني وزيرا للدفاع، حتى يتمكن من السيطرة بنفسه على الوزارة، ولكنَّ الثني ورث منصبه مثلما ورث هادي منصب صالح.

إذا كان اليمنيون يفخرون بأنهم أكبر شعب مسلح في العالم، وتؤكد بعض الدراسات أن كل يمني يمتلك خمس قطع من الأسلحة، إذا وزعت أسلحة اليمن بالتساوي على سكانه، فاليوم يفتخر الليبيون بأن حصتهم من الأسلحة تجاوزت اليمنيين، الفارق الوحيد أن اليمنيين يمضغون القات بينما يمضغ الليبيون أحقادهم.

هناك تشابه كبير بين الرئيس هادي وعبد الله الثني، فالاثنان عسكريان وتوليا منصب وزارة الدفاع، بالإضافة إلى أن الاثنين ينتميان للجنوب

من أين أتى هذا التشابه العجيب؟ الجواب يكمن في البنية الاجتماعية بين البلدين، فاليمن بلد قبلي بامتياز مثل ليبيا تماما، إلا أن مخزن اليمن الحضاري المتمثل في منطقة حضرموت، وجنوبها الذي احتلته بريطانيا مبكرا قلص كثيرا من الرقعة القبلية، وأتاح تراكما معقولا، فجميع الكفاءات اليمنية تأتي من هذين المخزنين، بينما يأتي حكام اليمن وعسكريوها من الشمال القبلي، وهم من احتكر السلطة ونهب الدولة، والفارق الآخر بين البلدين وجود طائفة زيدية في اليمن كانت تحكمه قبل ثورة عبد الله السلال، وها هي تحكمه مرة أخرى بقوة السلاح وبدعم إيران السخي، بالرغم أن المذهب الزيدي يختلف عن المذهب الاثنا عشري المعتمد في إيران.

كيف سيخرج البلدان من أزمتيهما؟ هذا ما يحاوله المبعوثان الأمميان جمال بن عمر وبرناردينو ليون، اللذان كلما وصلا إلى اتفاق يرفضه أحد الأطراف فتذهب محاولتاهما أدراج الرياح، ولم يبق إلا التهديد بالعقوبات الدولية، فإذا نجا علي عبد الله صالح بنفسه وأمواله عندما وافق على المبادرة الخليجية وسلم السلطة لهادي، ها هي العقوبات الدولية تقترب من أمواله المسروقة، مثلما تقترب العقوبات الدولية من أمراء الحرب في ليبيا.