Atwasat

ثلاثية التعايش!

عطية صالح الأوجلي الأحد 23 فبراير 2014, 03:57 مساء
عطية صالح الأوجلي

(1)
هل هي من قبيل المصادفة أن تعيش العواصم التاريخية للحضارة الإسلامية جميعها حالة بائسة من التصدعات والانهيارات والعنف؟ هذه العواصم، التي كانت منارات معرفية ولعبت دورًا محوريًّا في تاريخ البشرية، صارت أسيرة لدعاوى البؤس والكراهية بعد أن عانت قرونًا من التآكل الداخلي والعواصف الخارجية. هذه العواصم لن يختلف مصيرها عن مصير أية مدن أخرى عجز أناسها عن إدراك أن التفوق الحقيقي يأتي دائمًا وأبدًا من القدرة على التعايش وعلى إيجاد القواسم المشتركة وعلى غلبة التسامح والتآخي. كل المدن التي عجزت عن هذا الإدراك، لفظها التاريخ.

(2)
يبدو أن قدرنا هو أن نخرج من جدل لندخل في آخر. صرنا نعشق الاختلاف ونغضُّ أبصارنا عن المشترك ونريد أن نحقق الأمور كلها دفعة واحدة. هكذا حالنا جميعا. باختلاف انتماءاتنا وتوجهاتنا. نعشق الاختلاف. كم نعشق الاختلاف!

(3)
ليبيا (كبقية دول العالم) تضم أصنافًا متعددة ومتنوعة من البشر. في لحظات الحرية الأولى، أحس كل منهم بتفرده وتميزه، وأعاد اكتشاف ذاته والتعبير عنها. وفي أيام الحرية الأولى سيعجز كل منهم عن استيعاب الاختلافات بينه وبين الآخرين. وستكون هذه الاختلافات الجهوية والقبلية والشخصية والسياسية مصدر توتر في المجتمع يدفع به نحو الصراع. وبعد أن تدفع الأطراف كافة ثمن الصراع (الذي غالبا ما يكون مكلفًا)، سيكتشف الجميع أنهم (كبقية دول العالم) أصناف متعددة ومتنوعة من البشر، وأن البراعة والحكمة ليستا في تأجيج الصراع، وإنما في فن التعايش. نأمل ألا يطول الزمن الذي نحتاجه إلى أن نصل إلى هذه المعرفة ونعترف بأنه لا بديل عن التعايش.