Atwasat

قصة نجاح تونس

فريد زكريا الإثنين 03 نوفمبر 2014, 02:47 مساء
فريد زكريا

منذ أكثر من 20 عامًا ابتكر الباحث صمويل هنتنغتون اختباره الشهير لقياس مدى نجاح الديمقراطيات الوليدة، الذي ذهب فيه إلى القول بأن أي دولة لا يمكنها تطبيق ديمقراطية حقيقية إلا عندما تشهد ثمة انتقالَين سلميين للسلطة.
ونجد أن النجاح النسبي الذي أحرزته تونس يتناقض بشكل ملحوظ مع الفشل الذريع الذي مُنيت به مصر التي تعتبر أكبر دولة عربية وكانت تتمتع بأكبر نفوذ إقليمي في وقت مضى.

وكما هو الحال في تونس، أطاح المصريون بديكتاتور قبل ثلاث سنوات. ولكن بعد تجربة قصيرة مع الديمقراطية؛ حيث انتخبت جماعة الإخوان المسلمين التي أساءت سلطتها، بات يحكم البلاد ديكتاتور آخر. سألت أخيرًا مصريًا ليبراليًا علمانيًا يعيش في القاهرة من الذين شاركوا في الانتفاضة ضد حسني مبارك ما إذا كان النظام الحالي يمثّل عودة للنظام القديم. فقال: «لا، فهذا النظام أكثر وحشية وقمعًا من مبارك بكثير». يوم الاثنين، أصدر الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، مرسومًا يسمح بمحاكمة المزيد من المدنيين في محاكم عسكرية.

من المبكر جدًا بالطبع أن نحتفل بالنجاح الذي حققته تونس

لماذا نجحت تونس فيما أخفقت فيه مصر؟ قدّم محللون في كلتا الدولتين إجابات كثيرة، لكن الإجابة الأكثر شيوعًا هي أن الإسلاميين في تونس كانوا أفضل من نظرائهم في مصر. في كلتا الدولتين فاز الحزبان ذوا التوجهات الإسلامية بالانتخابات الأولى، لكن وفقًا لكثير من المعلقين، فإن حزب النهضة التونسي، الوجه الآخر لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، قد سعى إلى تقاسم السلطة، وهو ما لم يفعله إخوان مصر.

لم يحاول حزب النهضة أن يقيم الشريعة الإسلامية، وأعلن احترامه الكامل لقوانين تونس فيما يتعلق بحقوق المرأة، ثم تنازل طواعية عن السلطة هذا العام لحكومة وحدة وطنية تكنوقراط عندما خرجت ضدهم الاحتجاجات.

يبدو أن الدرس المستفاد من ذلك هو أن تونس كانت محظوظة فقط لا غير؛ بمعنى أن الإسلاميين في تونس كانوا يمثلون فئة الأخيار، والاستثناء لهذه القاعدة أن الإسلاميين هم رجال الدين الذين لا يتجاوز التزامهم بالديمقراطية حتى الآن رجلاً واحدًا، وصوتًا واحدًا، مرة واحدة.

لكن طارق مسعود، مؤلف كتاب جديد مدهش حول الإسلاميين والانتخابات ويحمل اسم «حصر الإسلام»، يقول إن نجاح تونس وإخفاق مصر لا يرتبط كثيرًا بخصائص الإسلاميين في كل منهما، بقدر ما يتعلق بالفروق العميقة في البيئات السياسية لكلتا الدولتين. ففي مصر، حسبما يقول مسعود، تمكّن الإخوان من هزيمة الأحزاب العلمانية في الانتخابات الأولى التي جرت بعد سقوط مبارك نظرًا لقدرتهم على استخدام المساجد والجمعيات الإسلامية كمنابر للوصول من خلالها إلى المواطنين يوميًا، وهي الأدوات التي لم تتوافر لدى الأحزاب العلمانية، ومن ثم، فإنه في أعقاب الخسارة في الانتخابات لجأت تلك الأحزاب إلى الجيش لتغيير نتائج الصناديق.

لم يحاول حزب النهضة أن يقيم الشريعة الإسلامية وأعلن احترامه الكامل لقوانين تونس

أما تونس، فهي قصة أخرى؛ حيث إنها -حسبما يضيف مسعود- أكثر تطورًا وتحضرًا وتعليمًا وانفتاحًا على العالم من مصر، وتمتلك تونس مجتمعًا أكثر تنوعًا من مصر -نقابات مهنية وجمعيات أهلية وجماعات مهنية أقوى من تلك الموجودة في مصر- ولذا يوجد تفاوت، وإن كان نسبيًا بين الإسلاميين وخصومهم. وعلى الرغم من أداء الإسلاميين الجيد في أول انتخابات في تونس، فإن منافسيهم غير الإسلاميين أحرزوا أداء جيدًا أيضًا، فقد فاز حزب النهضة بالأغلبية فقط في أول هيئة تشريعية منتخبة بحرية في البلاد -بنسبة أقل بكثير من الأغلبية التي فازت بها الأحزاب الإسلامية في مصر- وكان عليه أن يحكم ضمن ائتلاف ضم اثنين من الأحزاب العلمانية. ولم يتقاسم النهضة السلطة في تونس؛ لأنه كان أجمل من جماعة الإخوان المسلمين ولكن لأن الحزب اضطُر لذلك، تمسك معارضو حزب النهضة باللعبة الديمقراطية حتى بعد الخسارة، بدلاً عن اللجوء إلى الجيش، لأنهم، على عكس الأحزاب العلمانية المصرية، شعروا بحق أن لديهم فرصة للفوز في المستقبل، كما فعلوا هذا الأسبوع، (كانت تونس محظوظة لأن جيشها كان دائمًا تابعًا للسلطة المدنية).

في العام 1939، قال والتر ليبرمان إن قوة التحمل الديمقراطي تقع على عاتق «توازنٍ كافٍ للقوى السياسية» بين الحكومة والمعارضة، بحيث لا تصبح الأولى «تعسفية» والثانية «ثورية لا يمكن استرضاؤها». لاحظ مسعود أن توازن القوى كان موجودًا في تونس دون مصر. يقول: «إن الكثير من الشهادات التي تعكس وجهات نظر القادة السياسيين في تونس، واعتدال الإسلاميين بها، واحترام جنودها للمؤسسات المدنية تحجب حقيقة أساسية جدًا وهي أن تونس تشكّل تربة أكثر خصوبة للتعددية».

من المبكر جدًا بالطبع أن نحتفل بالنجاح الذي حققته تونس، فهي تواجه معدلات بطالة مرتفعة بين الشباب تبلغ نسبتها 30% تقريبًا، كما تدخل الحكومة في معارك ضد المسلحين الإسلاميين في الداخل، وأكدت تقارير صدرت أخيرًا أن الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي هي أكبر مصدّر للمقاتلين الراغبين في الانضمام لتنظيم «داعش» (وقد يرجع هذا إلى أن تونس مفتوحة نسبيًّا ويجد الجهاديون أن شعبيتهم منخفضة بالداخل).

إن نجاح تونس -حتى الآن- يؤكد أن الإسلام أو حتى المجتمع العربي لا يعرقل الديمقراطية أو يجعل تحقيقها ضربًا من ضروب المستحيل؛ إذ إن ذلك، كما هو الحال في أي مكان آخر، يتطلب ظروفًا مواتية وقيادة حكيمة وربما بعض الحظ.
(خدمة واشنطن بوست)