Atwasat

فروض لعبة دعم المعارضة للأنظمة السياسية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 27 نوفمبر 2022, 03:07 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في المنطقة العربية، بداية من عقد الخمسينيات، تقريبًا، من القرن الماضي، مع ظهور ما اصطلح على تسميته، في الأدبيات الماركسية والقومية، "الأنظمة الوطنية" وإعلانها مشروع التحرر الوطني من الاستعمار وبناء اقتصاد تنموي مستقل، تكون نوع من العمل الجبهوي غير المنظم، بحيث رأت بعض الأطراف في التيارات اليسارية ومثقفيها ضرورة دعم هذه الأنظمة والعمل معها لدفعها إلى مزيد من الجدية والتقدم على طريق التحرر الوطني المتمثل في معاداة الاستعمار والإمبريالية والتنمية المستقلة وتحقيق ما يمكن من مكاسب للطبقات الشعبية.

وهذه الرؤية تتمثل تاريخ "الجبهات الشعبية" في أوروبا إبان ثلاثينيات القرن الماضي، التي ضمت أحزابًا تتراوح بين الأحزاب اليسارية (الشيوعية والاشتراكية) وأحزاب الوسط (الديمقراطية والليبرالية) في عمل جبهوي منظم يهدف إلى الوقوف في وجه النازية والفاشية.

لكن الوضع في الوطن العربي لم يكن متاحًا له هذا القدر من التنظيم، بسبب تسلط هذه الأنظمة واشتداد قبضة الأمنية، وكان الأمر أقرب ما يكون إلى الخيار الفردي بحيث يقرر أفراد من التيارات السياسية اليسارية، بالذات من بين الصحفيين والكتاب والأدباء، دعم هذه الأنظمة في مشروعها المعلن المشار إليه أعلاه، باعتبارها أنظمة وطنية حليفة.

إلا أنه، بسبب اختلال ميزان القوى بين هذه الأنظمة، من جهة، وداعميها، من جهة مقابلة، تمكنت الأنظمة من "تدجين" بعض الأفراد من داعميها واستخدمتهم، بحكم صيتهم الثقافي، في الاستفادة منهم لجهة تبرير سياساتها غير الديمقراطية، بل حتى القمعية.. فآل الحال إلى إخفاق ذريع، فالأنظمة تأخرت وتردت، بدل أن تتقدم، والطبقات الشعبية والوسطى ضُيِّق الخناق عليها وأفقرت.

ونرى هنا أنه ليس من السليم الحكم على الأطراف التي أيدت ودعّمت، أو تلك التي آثرت النأي بنفسها عن هذه العملية محتفظة باستقلاليتها، من وجهة نظر الصواب أو الخطأ، إنما من منظار الظروف التاريخية العامة (= العالمية) والظروف التاريخية الخاصة (= الوطنية).
فهذه الظروف رشحت خيارين أمام المهتمين بالشأن الوطني والسياسي، خيار دعم هذه الأنظمة (ولا أقول التعاون معها) وخيار الامتناع والاستقلال (وليس المعاداة).

الأمر، في تقديري، يماثل الفروض في التجارب العلمية، حيث يضع عالم ما فرضًا أو أكثر يرجح أنه سبب، أو أنها أسباب، هذه الظاهرة، ويجري تجاربه وأبحاثه لاختبار صحة هذه الفروض، فيتكشف له على أثر ذلك صحة فروضه من خطئها.

فالمسألة تتعلق بالفروض في الطرفين، يفترض الطرف الداعم أن دعمه هذا سيؤدي إلى نتيجة إيجابية، حسب ما يرى هو الإيجابية، ويفترض الطرف الممتنع أن الإحجام عن تقديم الدعم يمثل الفعل الأمثل والحل الأجدى، ولا ملامة على الطرفين باعتبار هذا المعيار.

كما يمكن النظر إلى عملية الدعم من قبل ممن افترضوا هذا الفرض وتبنوا هذا الاختيار، من جهة، والأنظمة المعنية، من جهة مقابلة، على أنه عملية تكتيكية (لعبة أو مباراة) قابلة لاحتمالات الفوز والخسارة، أو التعادل. وهذا أيضًا أمر لا غبار عليه.

لقد تكشف خطأ الفروض لدى الطرفين (الداعم والممتنع عن الدعم)، فإذا كان الطرف الداعم لم يحقق شيئًا يذكر مما كان يصبو إليه من انخراطه في الدعم، فإن الطرف الرافض للدعم لم يحقق شيئًا على الإطلاق هو الآخر.

وفي مسألة المباراة فازت الأنظمة فوزًا كاسحًا، نعم، لكن يسجل للطرف الذي انخرط فيها مع النظام شرف محاولة أن يحقق شيئًا، وأعتقد أن انتصار الأنظمة في هذه المباراة أدى إلى انهيارها انهيارًا مأساويًا.

إن الحكم على هذه العملية من معايير الصواب والخطأ، أتى في مرحلة انكشف فيها مآل هذه العملية (= الحكم بأثر رجعي)، لكن في الفترة التاريخية المحددة كان الوضع قابلًا لأكثر من احتمال.