Atwasat

نقناق

صالح الحاراتي الخميس 06 أكتوبر 2022, 07:08 مساء
صالح الحاراتي

نَقْنَقَتِ الضِّفْدَعَةُ: نَقَّتْ، صَوَّتَتْ صَوْتاً يَفْصِلُ بَيْنَهُ مَدٌّ وَتَرْجِيعٌ.

ولكن باللهجة المحلية الكلمة تعني إنساناً ثرثاراً يكثر الكلامَ في تكلُّفٍ وخروج عن الحدّ، كثير الشكوى.. لا يعجبه العجب ولا يرضيه أن تأتيه بلبن العصفور.

النقناق ينتهج «النكد» كأسلوب حياة، فيكون دائم الشعور بالاستياء ممن حوله، مما يؤثر سلبياً على مشاعر الآخرين ونفسيتهم، وربما يؤدي بهم في نهاية الأمر إلى إصابتهم بالإحباط مما يجعلهم يتجنبون التعامل معه.

يرى علماء النفس في تعريفهم لأمثال هؤلاء المتربصين للنقائص «بشكل دائم» بأنهم مرضى نفسيون وسلوكهم مشين، وربما كان منطلق تلك الحالة الشعور بالنقص، حيث يقوم المتربص بإسقاط كل نواياه السيئة على الذين يتربص بهم وهذا يمنحه راحة نفسية، حيث يتخلص من عيوبه ويراها وكأنها موجودة في الآخرين فيطمئن على ذاته.

«النقناق» لا يرضيه شيء.. تقدم له طبقاً لذيذاً من أكلة «المبكبكة» وبمواصفات ممتازة، يرد بالقول: «ناقصة شبت»!
تقول له «طاسة الشاهي» رائعة، يقول: ينقصها نعناع!
تقول له هذه المياه باردة ومناسبة للشرب في هذا الجو الحار، يقول: ناقصة زهر!
تقول له فلان صوته جميل، يقول لك: لكنه قصير القامة وأنفه كبير!
تقول له كذا.. يرد بالقول كذا، مبرزاً أي نقيصة! كما يقال بلهجتنا «يحط ف الرز عظام».

من الصعب على «النقناق» أن يكون إيجابياً مثابراً، ويحاول البحث وتقديم المبادرات والحلول أو يكتب أو يقول شيئاً يذكّر الناس بقيمة إيجابية أو يُدخِل البهجة على نفوسهم.. كثير الشكوى وكلما قابلك انهال عليك بكم المآسي والمشاكل التي يعيشها أو يراها حوله، وكلما فتحت له باباً لحل أي أزمة أغلقه أمامك، مدعياً أنه لا يفيد، وكأنه عاشق لهذه الشكوى، متمنياً ألا تنتهي معاناته أو معاناة غيره.
والبعض منهم يشتكون لأنهم غير سعداء، والشكوى تعبر عن عدم رضاهم عن حياتهم، وفي مواقف أخرى ربما تستخدم الشكوى كآلية للتكيف مع الوضع الحالي التعيس والبقاء معه من دون بذل مجهود لتغييره.

قرأت أن العيش تحت مظلة الاستبداد لفترة طويلة، يترك في نفس الإنسان الميل إلى عدم الرضا عن حاله وحال من حوله وتقييمه وحكمه على الأحداث من حوله ومنطلقه علة «ديمومة كراهية السلطة» حتى لو كان هناك بعض الإيجابيات في السلطة القائمة كما يقول د. مصطفى حجازي في كتابه «سيكولوجية الإنسان المقهور».
وفي هذه الحالة نجد المتربص للنقائص لا يرى أبداً الجوانب الإيجابية في أي عمل يراه، أو ما تقوم به السلطة القائمة أو أي شخص في السلطة.. ويظن أن ذلك يكفيه لكي لا يقوم بواجبه المنوط به ويزيح عن كاهله شعوره بالتقصير ومحاولة التغيير.

العبوس من أشهر ملامح «النقناق»، ودائماً تفاعله مع أي حدث جديد يكون بطريقة سلبية، يتذمر من محيطه، ويردد ذلك في كل اجتماع، لا يرى حلولاً أو طريقة منقذة له، حتى ولو انهالت عليه الآراء والحلول الممكنة، ويطرح كل ما لديه بطريقة منفرة، فالشكوى بالنسبة له وسيلة دفاعية لتهدئة اضطرابه الداخلي، وإقناع ذاته بأنه لا جدوى من بذل الجهد لتغيير أوضاعه إلى الأحسن.

يتصف «النقناق» النكدي بالجدل الدائم، وغالباً ما يجادل ليس للوصول إلى حقيقة ما، ولكن لمجرد هزيمة الطرف الآخر الذي ينظر إليه نظرة الخصم.
وغالباً لا ينال رضاه أي تصرف كونه ينظر لنفسه أنه فقط من يتصرف بشكل صحيح، ولذا من الصعب جداً إقناع «النقناق» بأنه على خطأ.