Atwasat

تبادل الأدوار بين الضحية والجلاد

سالم العوكلي الأحد 05 أكتوبر 2014, 03:28 مساء
سالم العوكلي

قضيت الأشهر الأولى من انتفاضة فبراير في مدينة بنغازي، بصدد التأسيس لجريدة أحمد الفيتوري (ميادين) وإصدار أعدادها الأولى، وكنا في تلك الفترة الحرجة نتابع نبض بنغازي وهي تقود أول ثورة شعبية في تاريخ ليبيا، وعايشنا الكثير من الأحداث المهمة عن كثب، بداية من تأسيس المجلس الوطني، مرورا بصدور قرار مجلس الأمن فيما يخص الحظر الجوي وحماية المدنيين، وصولا إلى تفريغ ائتلاف شباب 17 فبراير في تنظيم مريب اسمه(منظمة آثال) أو اتحاد ثوار ليبيا.

بدأ حراك جماعة الأخوان المنظمة يأخذ عدة مسارات متزامنة، فهم كانوا على وفاق مع الوريث سيف الإسلام حتى الأيام الأولى من الانتفاضة، وهم في الوقت نفسه جزء من حراك تنظيم دولي بدأ ينظم نفسه كبديل وحيد على حدود ليبيا الغربية وحدودها الشرقية.

في تلك الآونة بدأ حراك جماعة الأخوان المنظمة يأخذ عدة مسارات متزامنة، فهم كانوا على وفاق مع الوريث سيف الإسلام حتى الأيام الأولى من الانتفاضة، وهم في الوقت نفسه جزء من حراك تنظيم دولي بدأ ينظم نفسه كبديل وحيد على حدود ليبيا الغربية وحدودها الشرقية، ورغم أن قوات القذافي كانت تقصف العديد من المدن الليبية، وتصل إلى مشارف مدينة بنغازي، إلا أنهم كانوا مشغولين بمشروعهم الخاص، مع وضع كل الاحتمالات تحت سيطرتهم، وكانوا ممسكين العصا من منتصفها تحسبا لكل طاريء، حريصين على أن لا يضعوا كل بيضهم في سلة واحدة. كانوا يعملون في منطقة (خضراء حرجة)، فمن ناحية عليهم أن يحافظوا على شعرة معاوية مع الوريث والحليف سيف الإسلام، ومن ناحية أخرى كانوا يُحضرون أنفسهم بحنكة في حال نجاح الانتفاضة وسقوط النظام.

في نهاية مارس 2011 وبعد صدور قرار مجلس الأمن وقصف الرتل المتوجه إلى بنغازي، أستطيع أن أقول أنهم قطعوا الشعرة التي تربطهم بالنظام، وبدءوا بجدية العمل على ملء الفراغ بعد النظام والتغلغل في مفاصل الثورة وبالتالي في مفاصل دولة ما بعد الثورة. وحققوا نجاحا مهما في هذا الشأن باعتبارهم الكيان الأكثر تماسكا، وباعتبار إمكانياتهم التنظيمية، والمادية الهائلة، والأهم من ذلك باعتبار أنهم جزء من تنظيم دولي بدأت المنطقة تُفرش لطموحه القديم في الوصول إلى السلطة، وهذا حق طبيعي لتنظيم اشتغل على هذا الهدف منذ 80 عاماً.

بدأ حراكهم بتفريغ ائتلاف 17 فبراير، أو ما كان يسمى شباب المحكمة، في منظمة أسسوها، وسميت منظمة أثال ... واستمر هذا الأسلوب إلى أن سيطروا على المجلس الانتقالي، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني، والكثير من الكتائب المحاربة.

بدأ حراكهم بتفريغ ائتلاف 17 فبراير، أو ما كان يسمى شباب المحكمة، في منظمة أسسوها، وسميت منظمة أثال، حيث فتحوا في البداية عضوية هذه المنظمة لكل الأطياف، وأقاموا حفل إشهار لها في صالة فخمة، وبحفل ضخم وموائد فاخرة، أنبأت عن مدى إمكانياتهم المادية المجهولة المصدر آنذاك، وفي النهاية تمت غربلة أعضاء هذه المنظمة، ولم يبق بها سوى أعضاء الجماعة، وبعض المتعاطفين معها، وبعض الشباب الذي مازال مترددا. غير أن الهدف من كل ذلك كان إجهاض مجموعة إئتلاف 17 فبراير التي كانت تقود الحراك من ميدان المحكمة وتملك شرعية كونها النواة الأولى لهذه الانتفاضة.

كان المرحوم عبدالسلام المسماري يتردد علينا في تلك المرحلة، في بيت أحمد الفيتوري، غاضبا وشاكيا من هذا الأسلوب الذي كان يسميه مؤامرة.

واستمر هذا الأسلوب إلى أن سيطروا على المجلس الانتقالي، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني، والكثير من الكتائب المحاربة، وتباعا أخذت الجماعة في استقطاب الكثير من الشباب الإعلاميين بإغراءات مادية، ومنهم بعض الشباب المتعاونين معنا في جريدة ميادين، والتي بدأت أعدادها الأولى بمصاريف من حساب الفيتوري الشخصي ومن مساعدة بعض الأصدقاء في مصر وليبيا.

نشرنا في تلك الفترة مقالة عن الفاشية للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو يطرح فيها أهم عناصر الفاشية التي تجعل منها فاشية أصلية، والتي عايشها مراهقا في إيطاليا، وقد أرفقتُ هذه المقالة بهامش صغير، كتبتُ فيه، هذه عناصر الفاشية التي تثبت أن الأربعة عقود الماضية تمثل الفاشية الأصلية، ولكن الخطر يكمن في كون الفاشية من الممكن أن تعود مع أكثر الوجوه براءة، مشيرا في وقتها لجماعة الأخوان.

ستكون هذه الثورات عقيمة، إن لم تُسقط ليس الأنظمة فحسب، ولكن كل بنى الفاشية التي ترعرعت في ظل هذه الأنظمة، والتي من الطبيعي أن تصاب بعدواها، ومن خلال حقيقة سيكولوجية تقول أن الضحية سرعان ما تتحول إلى جلاد حين تقضي على الجلاد.

كما نشرت مقالة بجريدة ميادين في شهر مايو 2011 تحت عنوان اللاوعي السياسي، أشرت فيه مباشرة إلى جماعة الأخوان كنموذج للنزعة الفاشية الأصلية : "النموذج الواضح لدينا لهذه النزعة هم جماعة الأخوان حيث يحاول بعض المتنورين الجدد الخروج من عباءته والتأسيس لحزب سياسي أوسع يستمد حيويته من مرجعية دينية، ودليلهم في ذلك النموذج التركي الذي يعمل على توطيده رجل مثقف وسياسي محنك "أردوجان" جاء ليكسب الشارع في دولة ذات بنى علمانية متجذرة وقوية، لكنه لم يأت على جواد (اللاوعي السياسي) بل محمولا على توجه جديد من (الوعي السياسي) المبني على طبيعة المرحلة التاريخية والواقع على الأرض، ومن هذا المنطلق فإن اللاوعي السياسي الذي حكمنا طيلة عقود النظام، مستعينا بأطروحة سيكولوجية الجماهير في كتاب جوستاف لوبون الذي كان انجيل موسوليني، ومستخدما لغة أورويل الجديدة التي تجعل الكلمات منتجة في الواقع لعكس معانيها طبق توصيف امبرتو إيكو للفاشية الأصلية، إن هذا اللاوعي يترصده الآن انتهازيو هذه الثورات العظيمة، وعيونهم على الصندوق الذي سيوصلهم إلى السلطة عبر وجدان مؤجج وليس عبر رأي أو خيار سياسي، عبر لا وعي شائع وليس عبر وعي سياسي.

لذلك ستكون هذه الثورات عقيمة، إن لم تُسقط ليس الأنظمة فحسب، ولكن كل بنى الفاشية التي ترعرعت في ظل هذه الأنظمة، والتي من الطبيعي أن تصاب بعدواها، ومن خلال حقيقة سيكولوجية تقول أن الضحية سرعان ما تتحول إلى جلاد حين تقضي على الجلاد، وفي التاريخ السياسي كما في الحياة اليومية الكثير من البراهين على ذلك.