Atwasat

الصمت اللامبالي

رافد علي الخميس 29 سبتمبر 2022, 12:53 مساء
رافد علي

حالة الانكشاف العربي بعد الربيعيات جلية، وتتجلى أكثر في أن المثقف رغم أزمته مع السلطة، أو كخصم لها - وفق نعوم تشومسكي - أنه ربما لم يكن يتوقع بالمرة ما حدث ويحدث من حوله وأمامه من مشاهد ودراماتيكيات، وبالتالي لم تستطع نرجسيته تقبلها، باعتبارها خارج نطاق توقعاته المؤدلجة أو الذاتية. أو أنه فضل الصمت متعللاً بمصطلح هلامي أسماه مثقفونا أنفسهم بليبيا بـ«الأغلبية الصامتة».

تقرير ديوان المحاسبة الليبي الصادر أخيراً، والذي يغطي العام 2021 بكل الأرقام المرعبة فيه، وحالة التفاعل ورود الأفعال المقترنة به التي تراوحت بين السخط والسخرية وممارسة لحق الرد لبعض من جاء ذكره في تفاصيل التقرير كهيئة الأوقاف بالعاصمة طرابلس، وفي تصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة بتشكيل لجان للرد على فحوى بيانات ديوان المحاسبة؛ لا زالت بوادر تفعيل رأي عام ليبي غائبة بسبب سيادة الصمت بأغلبيته المتوارية بين صفوف العامة. فبرلمان طبرق هو المخول بالتعاطي مع تقارير ديوان المحاسبة، إلا أن واقع حال الأمر ليبياً أن برلماننا العتيد لا يعترف بحكومة الدبيبة ولا بديوان المحاسبة، وهذه إشكالية سياسية أخرى تضاهى فضيحة الأرقام المعلنة إنفاقاً على مدى سنة امتازت بالانسداد السياسي ومطاحنات دموية شرسة بقلب العاصمة المختطفة بحكم واقعها اللا منضبط.

حالة الجدلية العامة التي برزت على هامش صدور تقرير ديوان المحاسبة، في عموم الحال، تصب في صالح النداء الدولي الذي صدر منذ أسابيع قليلة ماضية بضرورة الإشراف دولياً على الواردات الليبية وأوجه الإنفاق فى البلاد، التي تقف وراء الدفع به دول غربية سبق وأن كانت ضالعة فى إخراج برنامج النفط مقابل الغذاء أيام حكم صدام حسين، كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

برنامج النفط مقابل الغذاء، كتطبيق دولي وأممي، لم يجلب للعراق إلا العديد من المآسي والمجاعة وموت الأطفال ضمن لعبة سياسية فاسدة وفاشلة تشهد عليها تقارير دولية وإقليمية ومحاضر تحقيق وتقصٍ مقيدة رسمياً، في البلدين أعلاه، إلى جانب تحقيقات صحفية لمؤسسات إعلامية مرموقة موجودة فى لندن وواشنطن وفي نيويورك وباريس، دون الخوض في قصص الفساد التي اقترنت ببرنامج النفط مقابل الغذاء بالمنطقة العربية وصولاً لفضيحة تورط كل من السيد كوجو نجل كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة حينها، والسيد بينون سيفان المدير السابق لذلك البرنامج في أوحال الفساد حسب ما أثبت تقرير بول فولكر المستقل حينها، فالبرنامج الدولي النفط مقابل الغذاء على مدى عمره، كسابقة أممية، لم يخل من حالة تمازجه باللعبة الدولية التي اقترنت بالفساد الإداري المستشري بتجاوزاته من جهة، وحالة التوظيف السياسي دولياً لقضية عراق صدام حسين، لتكون المحصلة في نهاية كل الأحوال تضخم زكيبة الصبر والصمت فى بلداننا المنكوبة ببشر غائب ومغيب، ونخب دون مستوى تحديات المراحل التي نعيش ونكابد فيها شراهة للانتفاع المشبوه بالفساد في صفوف أرباب القرارات والأحوال.

كل ما يجري اليوم من فساد بواح بليبيا، ومصادمات عنيفة تتجدد، وآخرها بمدينة الزاوية هذه الأيام بما يغلفها من صمت مريب، وكذلك الصعود الفاشستي للسلطة التشريعية في إيطاليا، جميعها أمور وقضايا تقع في نطاق اهتماماتنا كبشر تبحث عن أجوبة، فالصدام الدامي بمدينة الزاوية يستوجب تفعيل حماية المدنيين كركيزة قانونية أساسية أقحم المجتمع الدولي نفسه من خلالها فى ليبيا طالما أن الفصل السابع لا يزال سارياً على أوضاع ليبيا بكل بؤسها اليوم. المريب في الأمر أن صدامات مدينة الزاوية كانت تجري فى وقت كان مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأميركية صاخباً بالملف الليبي بحسب الأخبار والتقارير المشاعة! فأي صمت هذا؟ وإلى أين تجري بنا كواليس المجتمع الدولي الذي أضحى يلمحنا فقط من خلف مضخات النفط والغار والحوالات المصرفية الفاسدة والحسابات البنكية المشبوهة والأخرى المجمدة!. أليست هذه هي حقيقتنا المجردة يا سيادة الدولة المحتكرة لقلم صياغة قرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا بشكل حصري ولسنوات طويلة اليوم؟!، وهذه بذاتها كجزئية في تلابيب الأزمة الليبية وصياغة قراراتها فيها من التساؤلات الكثير والكثير، ومع ذلك، لا نزال نلتزم حيالها بالصمت اللامبالي!.

إيطاليا بقناعتها التاريخية في ليبيا، كمستعمر سابق، تدرك أن السجال حول ليبيا وصراع المصالح فيها لم ينتهيا بعد، لذا قررت أخيراً تقليص البيروقراطية والروتين الإداري في جهاز مخابراتها الخارجية، ولم تخف أن الأزمة الليبية وأوضاع الصراع على حوز النفوذ فيها، أوروبياً وإقليمياً، من الدوافع الأولية لاتخاذ هكذا «تدابير حديثة» لجهاز استخباراتها بحسب التصريحات المنشورة للمسؤولين بروما أياماً قليلة قبل إجراء الاقتراع التشريعي بإيطاليا عطلة نهاية الأسبوع الماضي.

لقد طالت أزمتنا، وحتماً أن ساستنا ونخبنا وفسادنا لم يكتفوا، ولم ندرك نحن العامة، في المقابل، الدرس بعد بأن بلادنا نحياها بهشاشة حال، وبهلامية مشاعر وانتماء بأوراق رسمية، والأبرز بصمت ليبي مطبق ونواح افتراضي بقصد خلق إثارة فى أحوالنا الكاسدة، فإلى متى هذا الصمت والضمائر المستترة؟! ومتى سنفكر جدياً في استعادة أنفسنا من هذا التيه؟! ومتى سننظر في أمر افتكاك بلادنا من كل هذه التربصات الراهنة؟!.

حقيقة أمري أنني خاوي الوفاض من أي إجابة، لكنني ضجرت من التيه.