Atwasat

وهمي

صالح الحاراتي الإثنين 26 سبتمبر 2022, 10:54 صباحا
صالح الحاراتي

لفت انتباهى أحد الأصدقاء إلى كلمة (وَهميّ) التي يرددها الكثير من الناس، مع اختلاف ما هو المقصود وما المعنى المراد بتلك الكلمة أو المصطلح، وإن كان على الأغلب معنى سلبيا.. ولكن المفارقة العجيبة أن ترافق ذلك بمعنى عكسي، فأنا أعرف ممن يستخدم كلمة وهمي ليعبر بها وبشكل إيجابي عن شيء رائع وخاصة حين يصف نوعاً معيناً من الأكل أو الملابس!

كلمة وهمي منسوبة إلى الوهم. فحين نقول عمل وهمي، أي عمل قائم على الخيال والتصور ويذهب بصاحبه بعيداً عن الواقع، أو نقول: جرت معارك وهمية، أي معارك غير واقعية، الغرض منها التدريب على القتال وخوض المعارك.

وعندما نصف إنساناً بأن كلامه وهمي، معناها أنه يقول كلاماً بلا سند علمى ولا منطقى.
هذه بعض المعانى المباشرة.. ولذلك ومنطقياً، فإن أضداد الوَهْمِيّ تتمثل فى كل ما هو واقعي وحقيقي.

وهنا سؤال.. من الذى يسعى للوهم ومن الذى يشتريه؟
بائع الوهم هو من يصنع الوعود وينسى الوفاء بها، أي من يقدم الوعود الكاذبة، التي تصنع السعادة المؤقتة ويتبعها الخذلان، أما المشتري فهو من يصدق تلك الوعود الكاذبة.
غالباً ما تشهد الحملات الدعائية في أي انتخابات إسرافاً كبيراً في الوعود التي يحصل عليها الناخب دون أدنى دليل على إمكانية تنفيذها وبذلك تعتبر وعوداً وهمية.

يمكن هنا أن أسوق أمثلة ونماذج عديدة من «الوهمي» ومنها..

* هناك ما يسمى بالعلاج الوهمي (بالإنجليزية: Placebo)‏ وهو مادة تُعطى للمريض بهدف علاجه، ولا يكون لها تأثير حقيقي في علاج المرض بعينه، ولكن بها يجري «إيهام» المريض نفسياً بأن هذا العلاج الذي يتناوله يحمل شفاءً لمرضه وأنه علاج فعال في التخلص منه، كما يستخدم هذا العلاج في اختبارات الأدوية الجديدة وفي الأبحاث الطبية، دون معرفة المُتداوي ما إذا كان هذا الدواء فعّالاً أم لا، ويطلق على الحالة التي يرى فيها المتلقي للدواء أنه قد شعر بتحسن فعلاً بسبب توقعاته الشخصية «تأثير الدواء الوهمي» أو «استجابة الوهم».. حيث من الممكن أن يكون للدواء الوهمي آثار حقيقية وقابلة للقياس على التغيرات الفسيولوجية في الدماغ، ولكن استخدام العلاج الوهمي كعلاج في الطب السريري بدلا من البحوث المختبرية يعد مشكلة أخلاقية، لأنه يدخل في الخداع وعدم الأمانة المهنية.

* هناك «كيان تعليمي وهمي» مدرسة أو أكاديمية دون ترخيص واتخاذها وكراً لممارسة الاحتيال على راغبي الحصول على شهادات جامعية، وترويج شهادات دراسية.

* مشاريع وهمية غير قابلة للتحقق نظرا لفقر الإمكانات المادية والتقنية كأن نقول دولة من العالم الثالث سترسل مسباراً إلى كوكب المريخ!

* وفي عالم الكمبيوتر والبرمجيات نجد البريد الإلكتروني الوهمي، وفي منصة تويتر يجري حذف أكثر من مليون حساب وهمي كل يوم، وهناك أيضاً ما يسمى برامج مكافحة الفيروسات وقد يكون الكثير منها برامج وهمية ضارة الغرض منها سرقة البيانات الشخصية للضحية.

* هناك شخصيات وأحداث تاريخية يحيط بها الشك، ويمكن أن تكون وهمية، فالتاريخ يصعب الجزم بصحته.. وهناك أكاذيب تكتسب رسوخاً وقدسية بمرور الزمن وتعيش لقرون وقرون حتى يصعب فصل الحقيقة عن الخيال والمبالغة.

* هناك أيضاً وهم الماضي الجميل وهو ليس كذلك البتة، فالحاضر الآن والمنجزات التي وصل إليها الإنسان، على كل المستويات، أفضل وبمراحل من الماضي، الذي كان في الغالب تعيساً، متعباً، تكتنفه الأمراض والأوبئة، وتحيط به من الصعوبات الحياتية ما يجعله بائساً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

* اما على مستوى المفاهيم والمصطلحات.. فهناك فى تقديري الكثير من «الوهميات» التي ساهمت فى الانغلاق والجمود الذي نعيشه.. وربما يجري تناولها لاحقاً ولكن نشير إلى بعضها عابرا.. ومنها وهم «الإجماع» الذى أراه مبالغة، وهو أمر محال، فالكون جُبِلَ على التنوع والبشر جُبِلوا على الاختلاف، والبشر وإن اتَّفقوا على تعيين ظاهرة ما ووصفها فانهم لا يملكون (من وحدة وتوافق مصالحهم) سواء كانت مادية أو عقلية ما يسمح لهم بأن يتفقوا أيضاً على تفسيرها وتعليلها، ذلك لأن الموضوعية في التفكير والنظر والبحث تُنبَذ وتُحارب إذا ما تأكد أن السير في طريقها يمكن أن يفضي إلى ما لا تتقبله مصالحهم.
ولذلك نرى فى الدين الواحد الفرق والملل والمذاهب نظراً لتباين التفاسير والفهوم، فالإجماع وهم كبير.

* وهم الحلول المثالية
تعاملنا مع الأحداث على طبيعتها رغم ما فيها من سلبيات هو جزء من الواقعية... ورؤية العالم من منظور الأبيض والأسود في هذه الدنيا، أمر يجانبه الصواب إذ لا وجود لشيء مطلق. ولا يوجد ما هو كامل 100 % أو ناقص 100 % هذه حقيقة يقضي الإنسان حياته كلها ليدركها.

يبقى السعي للكمال أمرا محمودا وﻻ بأس به بل هو الحافز لتحسين الحال على المستوى الفردي والجمعي... وهو سعي ﻻ نهاية له في دورة الحياة... ولكن الحلول المثالية الموصوفة بالكمال ليست إﻻ «أوهاماً وشعارات فضفاضة»، ويبقى للنشاط الإنساني دائماً مجال ومساحة للتطوير والتحسين المستمر بتراكم المعرفة والخبرة.. هكذا تقدمت مجتمعات وبقيت أخرى رهينة الوهم.