Atwasat

(قصقاص)

صالح الحاراتي الأحد 18 سبتمبر 2022, 11:14 صباحا
صالح الحاراتي

في عدة من قواميس اللغة وجدت.. قَصْقَصَ الشيءَ أي كَسَرَه

قصقص الورقَ: قطعه بالمِقَصّ

قصقص جوانِحَ فُلان أي جرَّده من وَسائل العمل ومنعه عنه.
قصقص جناحيْ الطائر: أزال ريشهما ليمنعه من الطَّيران.

ولكن في قاموس الرائد.
نجد: تقصقص أثره أي تتبعه.
وهذا المعنى الأخير هو الأقرب للمعنى المقصود باللهجة المحلية، فـ «التقصقيص» يعني تلك العملية التي يقوم بها إنسان كثير السؤال ويتطفل على الآخرين بهدف معرفة أحوالهم وأسرارهم.. ويسمى حينها «قصقاص».. وهو من يقوم بعملية حشر أنفه فى خصوصيات الآخرين.

و«القصقاص» غالبا لا يستطيع قراءة علامات الضيق والملل على وجوه الأشخاص الذين يتطفل عليهم.. وإن انتبه لذلك فيتجاهل شعوره، فهو لا يستطيع مقاومة رغبته الجامحة لمعرفة أسرار الناس وما يتعلق بحياتهم المعيشية، ويعطي لنفسه حق التعرف على معلومات لا دخل له بها ولا يكف عن تدخله السخيف والمثير للحنق.

القصقاص لا يعرف احترام الحياة الخاصة للآخرين، وعدم التدخل في خصوصياتهم وشؤونهم الخاصة، وترك ما لا يعنيه من أمورهم، رغم أنه قرأ في منهج التربية بالمدارس الابتدائية أنه.. «مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنيهِ» ولكنه لا يتوقف عن «التقصقيص».

الإنسان السوي يعلم أن لكل إنسان خصوصياته وأسراره الشخصية التي لا يرغب في إطلاع الآخرين عليها، ولا يحق لأحد اقتحامه من غير إذنه، فكما لا يجوز لأحد أن يقتحم دار غيره إلا بإذنه، كذلك لا يجوز لأحد أن يقتحم على الآخرين حياتهم الخاصة وشؤونهم وقضاياهم الشخصية من غير رغبتهم.

«القصقاص» ليس ذا طبع فضولي أو بحسن نية أو يفعل ذلك بجهالة؛ ولكن قد يكون رجل أمن متخفيا ويريد الحصول على معلومة يتقرب بها إلى أسياده، وقد كان شائعاً يوماً ما أن يحذرك منه أصحابك ومن يعنيه أمرك ويلمحون لك بكلمة «يوك»
أي احذر، والمتعارف عليها بأنها تعنى اسكت فهناك مخبر أو رجل أمن.

يحضرني شعر شعبي يقول:
وفيه من عاش بصاص
... وخادم لسيده يطيعه
وفيه اللي عاش قصقاص
.. وسرك إن حصله يبيعه

في زمننا الحاضر ومع التطور التكنولوجي لم تعد الحكومة ورجل الأمن هو من ينتهك الخصوصية؛ وتغيرت طرق انتهاك الخصوصية، وفي حالة بعض التقنيات الحديثة والإنترنت فإن زيادة القدرة على مشاركة المعلومات يمكن أن تؤدي إلى طرق جديدة يمكن أن تنتهك الخصوصية بشكل كبير.

هذه السطور ليست إلا للتأكيد على الحق في الخصوصية، وهو حق أصيل للإنسان في الاحتفاظ بالنطاق الذي يحيط به والذي يشمل كل الأشياء التي تعد جزءاً منه، ابتداء من شؤون بيته وممتلكاته، إلى أفكاره ومشاعره.. والحق في الخصوصية يمنح الفرد القدرة على اختيار أي جزء من هذا النطاق يمكن للآخرين الوصول إليه، والتحكم في مدى وطريقة وتوقيت استخدام الأجزاء التي يتم الكشف عنها.

بقيت ملاحظة لا بد من الإشارة إليها وهى أن «التقصقيص» ليس كله أمراً مداناً ومستهجناً، ولكن في بعض الحالات يكون أمراً إيجابياً..
وكمثال في مجال البحث العلمي يعتبر التقصقيص أمراً مستحباً ومحموداً، فالعالم لا يكف عن السؤال والبحث وتتبع الأسباب حتى يصل إلى مراده.

ومثال آخر هو الأسئلة التي تأتي من الأطفال وما تجترحه عقولهم من أسئلة وجودية بغرض التعرف على العالم المحيط بهم.. وأعتقد أن ذلك يصح أن نسميه «التقصقيص» الإيجابي.

ومن التقصقيص الإيجابى كذلك ما يسمى بالصحافة الاستقصائية التى مهمتها الكشف عن الأمور التي يجري إخفاؤها إما عن عمد من قبل شخص في موقع سلطة، أو عن طريق الخطأ وكشف جميع الحقائق ذات الصلة للجمهور، حيث يقوم الصحفيون بالتحقيق في موضوع معين مثل الجرائم الخطيرة أو الفساد السياسي وتقصي أي مخالفات، وبهذه الطريقة تساهم الصحافة الاستقصائية بشكل إيجابي في حرية التعبير وتؤكد دورها كسلطة رابعة.