Atwasat

مسلسل المناوشات التي لا تنتهي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 30 أغسطس 2022, 11:48 صباحا
أحمد الفيتوري

إن علامة الإنسان، الذي ينقصه النضج، أنه يود أن يموت بنبل، من أجل قضية ما. بينما علامة الإنسان الناضج، أنه يود أن يعيش بتواضع، من أجل قضية ما.

• الروائي الأميركي جيروم سالنجر

ما حدث في طرابلس، حدث من قبل وسوف يحدث، وتقريبا هناك اتفاق على ذلك، فمنذ أكتوبر 2011م وحتى الساعة، لم تتوقف المناوشات المسلحة في العاصمة الليبية. أما ماهية القائم بهذه المناوشات؟ فقد اتفق على نعتها بالميليشيات، وبالنسبة لقادتها فقد اختفت أسماء، لكن من تبقى منهم، فهم شخصيات، قادة لهذه الميليشيات منذ سنوات طويلة، وتتردد أسماؤهم رسميا وإعلاميا وشعبيا. ورغم شيوع أسماء قادتها، فإن عددهم وعتادهم تتضارب حوله الأقوال.

هذا التشخيص المادي المبتسر للميليشيات في العاصمة، يعتبر من جهة أنها أقوى جماعة مسلحة في ليبيا، ومن جهة أخرى أنها القوة المسلحة الضاربة لحماية العاصمة. وخلال الفترة الطويلة الماضية، يكنون بـ «ثوار فبراير/ثوار طرابلس»، الذين تدعمهم الجهات المسؤولة في العاصمة من خزينة الدولة، فيما يقوم السكان بدعمهم بأبنائهم، للانضواء كمقاتلين. من عدوا في أغلب الوقت كحراس يذودون عن العاصمة، فهم الأبطال الذين حموا المدينة أكثر من مرة، ليس آخرها في أبريل 2019م.

لكن الأهم أن هذه الجماعات المسلحة، ليست جماعات تتخلق ذاتيا ولا تتبع أحدا، فالميليشيات منذ نشأتها، تتبع هذه الجهة السياسية أو تلك كما في باقي البلاد. وفي عراكها الأخير على سبيل المثال: نسبت جماعة منها إلى السيد عبد الحميد الدبيبة، فيما نُسبت خصيمتها إلى السيد فتحي باشاغا، فهما من كانا يصرحان ويبرران دوافع الاقتتال، حيث كل منهما يرفع مصاحف الشرعية!. وعليه فإن الجماعات المسلحة المتقاتلة، باتت جماعتين ليس إلا، والآن كل منهما يتبع قائدا مدنيا، يرى في نفسه قائدا شرعيا له مشروع سياسي، هو كما يفصح عنه الساعة: مشروع واحد يدعى الانتخابات!.
إذا المحصلة الأولي: أن الاقتتال الحاصل في العاصمة الليبية، هو بين شخصيتين سياسيتين، لكل منهما جيش يتكون من كتائب/ ميليشيات/ أنصار ولا يهم التسمية. يقود جيشا منهما رئيس وزراء يدعى عبد الحميد الدبيبة، جاء بعملية، «وليامز القيصرية»، مندوبة الأمم المتحدة السامية في ليبيا. هذا الرئيس معترف به دوليا، ومن كل الأطراف دون استثناء!، وفي هذا هو وريث فائز السراج، من جاء بعملية مماثلة تدعى «اتفاق الصخيرات». أما الجيش الثاني، فينضوي تحت قيادة رئيس وزراء يدعى فتحي باشاغا، مرشح مجلس النواب، وهو في هذا كما وريث عبد الله الثني، من لم ينل أي اعتراف لا إقليمي ولا دولي، بعد اتفاق الصخيرات.

المحصلة الثانية: أن الحال الحالي هو الحال السابق نفسه، وأن الانقسام ذات الانقسام، فالمتغير في التفاصيل ليس إلا، كالمناوشات الأخيرة التي ظهر فيها سلاح جديد، مما زاد من حدة الاقتتال والخسائر الفادحة في الأرواح. بالإضافة إلى إسقاط طائرة مسيرة أميركية في شرق البلاد، مجهولة الغرض. وزيادة على ذلك، تواجد نورلاند السفير/المبعوث الأميركي، في العاصمة أثناء الاقتتال، ومقابلاته المكوكية لشخصيات ليبية ذات مناصب رفيعة، منها رئيس مجلس الرئاسة. وهذا ما يذكر بتواجد أمين عام الأمم المتحدة في العاصمة، فترة اندلاع اقتتال 2019م، بجانب اتصال الرئيس الأميركي ترامب الشهير بالمشير خليفة حفتر. دون أن نُذكر بالانسحاب التلفزيوني، للمارينز الأميركي، من شواطئ طرابلس لحظتها.

المحصلة الثالثة: أني لا أتهم أميركا، ولا أدعي أن لها أي دور، فيما يحصل في العالم، فما بالك بالعاصمة الليبية. لكن أذكر بالوقائع، وأشير إلى ملابسات التواجد الأميركي، أثناء أقوى معركتين حصلتا في طرابلس!. وسيقول القائل إن ما حدث في طرابلس، عراك على السلطة والثروة بالسلاح المتوفر، ما أشيع أن العقيد معمر القذافي ورثه لليبيين، ويتجاوز 20 مليون قطعة سلاح، ما منها صواريخ بالستية، ومئات من طائرات ميج الروسية، وآلاف الدبابات والمدرعات والمدافع الثقيلة، وسلاح كيميائي وغير ذلك، ما لم تستخدم حتى الآن، ولا يعلم أحد أينها سوى الله والعالمين بالأمور. وأريد أن أنوه، رغم ذلك، أني مع قول القائل.

محصلة هامشية: الليبيون الكثر يرون أن بلادهم سيئة، وأن شعبها أسوأ، فحتى الفاسدون يشجبون حال ليبيا، ما ينعتونها ببلاد فاسدة. وعلى ذلك فالميليشيات سقطت من السماء، وكل المسؤولين كذلك، خاصة مجلس النواب، ما انتخبه جن سرت الأحمر. ورغم أنهم يجمعون على محصلتهم هذه، فهم أيضا يجمعون، بإصرار يحسدون عليه، على البقاء في حالهم كما هو عليه، متشبثين بالبقاء هنا، في «وادي جهنم» ما يدعى ليبيا. ولا عجب...