Atwasat

الذئب المنفرد

رافد علي الخميس 18 أغسطس 2022, 11:19 صباحا
رافد علي

خبر محاولة اغتيال سلمان رشدي، صاحب الرواية الشهيرة "آيات شيطانية"، قبل أيام قليلة ماضية، هز العالم من خلال التأكيد على أن الفتوى الدينية بتحليل دمه ما زالت حية، رغم مرور عقود على صدورها، وبعد وفاة مُفتيها الإمام روح الله الخميني صيف 1989.
موقف العالم الإسلامي من "آيات شيطانية" لا شك في أنه يشكل حالة نادرة من التوافق بين التيارين السني والشيعي، باعتبارها تجاوزاً للخطوط الحمراء كرواية ارتكز فيها مؤلفها على ما يعرف في تقنيات الرواية بالواقعية السحرية، التي تمزج بين الواقع والخيال.

الإمام الخميني، الذي استبق قادة العالم الإسلامي جميعاً بفتواه حينها، لا شك في أنه شخصن القضية مع رشدي من خلال شخصية الإمام بـ "آيات شيطانية" التي تحاكي شخصيته بأسلوب ساخر، فشخصية الإمام في السردية يبدو محرضاً على الثورة من العالم الغربي، وبذات اللحظة، يشهر الإمام عدوانية تجاهه. كما أن نجاعة الفكرة الداعية إلى أن إيران الخميني حينها كانت تسعى عبر تلك الفتوى لتعزيز موقعها كزعامة دينية بالمنطقة ضمن سياسة السيطرة الثقافية بالإقليم، هذه الفكرة تحظى بمنطق تحليلي رصين، ففي تلك الحقبة ظل الدين والثقافة حلقة من حلقات الصراع بين التقدمية والرجعية من جهة، والمقاربات الخشنة، من جهة ثانية، كانت على أشُدها بين الشيعي والسني، تحت شعار تصدير الثورة الإيرانية للمنطقة أيام حرب الخليج الأولى في تلك العقدية الساخنة في كل شيء.

المثير في أمر قصة الاعتداء الأخير على سلمان رشدي بمدينة نيويورك الأميركية، أن القضية باتت تفتح أبواب التفكير مجدداً في موضوع الذئب المنفرد القادم من التيار الشيعي. والذئب المنفرد Lone wolf terrorism مصطلح ساد في الإعلام الغربي، خصوصاً بالولايات المتحدة وفرنسا، لتحديد الأفراد الذين يمارسون أعمالاً إرهابية من دون أن يكون لهم ارتباط مباشر أو غير مباشر بأي تنظيمات متطرفة وعنيفة، وترتكز على أيديولوجيا معينة. الذئب المنفرد، تعود جذوره التاريخية، كمفهوم، إلى ستينيات القرن التاسع عشر، عندما أطلق أتباع الأيديولوجيا السياسية الفوضوية نظريتهم المعروفة بالمقاومة بلا قيادة Leaderless Resistance، - وقد تطور إرهاب الذئب المنفرد مع تطور مفهوم الإرهاب ذاته بموجاته الأربع الأناركية والمناهضة للاستعمار واليسار الجديد والدينيات كما بيّن ذلك ديفيد إبابورت بحقبة السبعينيات من القرن الماضي.

من المعروف أن الذئب المنفرد، يعد رهيناً لنمطية العنف في محيطه، فالعالم السني بمنطقتنا يظل زاخراً بالحركات المتطرفة الممارسة للإرهاب كحركة الجهاد وجماعة التكفير والهجرة والجماعة المقاتلة والقاعدة وداعش وبوكو حرام، إلا أن التيار الشيعي لم يكن يظهر إعلامياً في الصورة العنيفة في العالم الغربي كما حصل في هجمات لندن وبروكسل وفرنسا وبالعديد من الولايات الأميركية على وجه التحديد، الأمر الذي أرجعه العديد من المحللين وأهل الاستشراق إلى أن مصادر التشدد الإيراني اختلفت بعد الثورة الإيرانية، لأن الذين استلموا السلطة في طهران ليسوا الذين قاموا بالتمرد الإحيائي الشيعي، بل المؤسسة التقليدية للفقهاء، مما جعلهم يبتعدون عن الفكر الثوري العنيف الضارب في الحركات الإحيائية للأصولية السنية، فتصرفات الدول والحكومات تبقى تصرفات تختلف عن حركات الاحتجاج العنيف، الذي يندرج اليوم تحت مسمى إرهاب الدولة. زد على ذلك أن التيار السني لم ينجح في إقامة دولته الدينية المزعومة، المتمثلة في وصول رجل الدين لسدة الحكم عبر النزعة الإحيائية السنية. فالتيار الشيعي بعد الثورة الإيرانية نجح في فرض مرجعية دينية في قم تمارس السلطة بالعاصمة طهران يقودها مُلا بمنصب المرشد الأعلى للثورة، وهذا جاء نتاج تاريخ طويل وعنيف بالصف الشيعي تمثل في نشاط دامٍ لحركات وتنظيمات متنوعة كحركة فدائيا إسلام وحركة نواب صفوي.

لا نزال لا نعرف الكثير عن الشاب هادي مطر، منفذ محاولة اغتيال سلمان رشدي بنيويورك الأميركية، لكن ولادة ذئب منفرد شيعي شيء جدير بالتدقيق فيه، بسبب توفر ذات الأسباب والظروف التي سمحت بولادة الذئب المنفرد السني المقيم بالغرب والمنحدر من أصول مسلمة تعود للجيلين الثالث أو الرابع، والذي يعاني من صعوبات في التأقلم بسبب معوقات الاندماج وصراع الهوية والفوبيا من الآخر والعنصرية وخطاب الكراهية ومنظمات عنيفة تسخر الميديا والإنترنت عموماً للتعبئة، وكذلك كونهم أبناء أسر منهارة، ويعانون البطالة، هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد المهجن بين الثقافي والسياسي تأتي تصفية سلمان رشدي جسدياً هذه المرة بعد أيام قليلة من مناسبة عاشوراء، التي شهدت هذه السنة تصعيداً لنقل شعائرها لمستوى سياسي غير مسبوق، يصب في خانة المواجهة مع الغرب، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية. فهل هادي مطر سيكون سابقة بعد انقطاع؟! لكن تبقى للسياسة أبعاد وتدابير أخرى، قد تلعب بورقة مطر، ضمن نهج التوظيف المسيس ومغالطات التحليل لظاهرة الذئب المنفرد كخاصية يسلط عليها الضوء أكاديمياً في أحيان كثيرة بسبب الإثارة الإعلامية تارة والتصعيد السياسي تارة أخرى.