Atwasat

انفتاح ثقافة الطعام والطبخ

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 14 أغسطس 2022, 12:16 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

ارتبط ظهور الطبخ، من حيث الإمكانية، باكتشاف النار وابتداع طرق ووسائل الحفاظ عليها وإعادة إنتاجها. أي ما يمكن وصف بـ "استئناس النار". وارتبط، من حيث الأدوات، باكتشاف ما يتميز به الطين من مطواعية التشكيل والتماسك بعد الجفاف. ومن ناحية مواده ارتبط بمصادر الغذاء من حبوب وبقوليات وخضراوات، والمصادر الحيوانية المعروفة، والأسماك.

وقد حدث ذلك بعد انتقال الإنسان من مجتمعات الصيادين الرحل إلى اكتشاف الزراعة واستئناس الحيوانات والاستقرار في قرى يبني مساكنه فيها بنفسه، بدل سكنى الكهوف الجاهزة.

مع التطور الحضاري أصبح إعداد الطعام (= الطبخ) يشكل ثقافة للجماعة المعنية. فصارت له قواعد وأصول، وارتبط بالطقوس الدينية من حيث أنواع القرابين التي تقدم إلى الآلهة، المذكرة والمؤنثة، حسب اختصاص كل منها، والمناسبات الاجتماعية المتعلقة بالوفاة والزواج والاحتفال بالمواليد.

في البداية، كانت ثقافة الطبخ (= الطعام) مغلقة. لكن مع نشوء التبادل التجاري والهجرات الجماعية والاحتلال أخذت ثقافات الطعام والطبخ تتقايض العناصر الغذائية والوجبات وتتبادل التأثير وصارت الوجبة "الوافدة" أو "المستعارة" تتكيف وفق متطلبات الثقافة الطعامية المستقبلة وتدخل في طقوسها.

ويبدو أن ثقافة الطعام أكثر الثقافات تفتحا وترحيبا بالآخر الوافد، فالطعم اللذيذ الممتع محل ترحيب ولا يواجه مقاومة.

ففي ليبيا، مثلا، لم يعرف الأرز إلا مع نهايات العشرية الثانية من القرن التاسع عشر، لكنه سرعان ما أصبح مادة غذائية أساسية في المطبخ الليبي وتنوعت طرق إعداده. وفي إطار علاقة الليبيين بإيطاليا عرفت المكرونة وأصبحت أكلة شعبية ذات طابع ليبي خاص. كما أصبح أمرا عاديا إعداد البيتسا، الأكلة الإيطالية المعروفة، في كثير من البيوت الليبية.

ومن جانب آخر أسهمت عمليات الكشف الجغرافي الأوربي في القرن السادس عشر في إدخال عناصر غذائية جديدة على الصعيد العالمي. فالطماطم، الذي صار الآن لا يخلو منه أي مطبخ عالمي، أدخله الأسبان إلى أوروبا من أمريكا الجنوبية في القرن السادس عشر، وكذلك البطاطا.

والطريف، بالنسبة إلى هذه الأخيرة، أن الأسبان أحضروها باعتبارها نبات زينة، لجمال أزهارها، ولم يدركوا وجود الدرنات التي تحت التربة وقيمتها الغذائية إلا لاحقا.

وقد أدى ذلك إلى إنقاذ أوروبا من أزمة غذائية في القرون اللاحقة، وثمة لوحة مشهورة تعبر عن ذلك لفان غوخ بعنوان "آكلو البطاطا".

يرتبط الطبخ، أساسا، بالبيوت، أي الأماكن المقفلة. فهو أسري وحميم. على حين يرتبط الشواء بالفضاء المفتوح في الرحلات الترفيهية الخلوية ويتعلق، أكثر ما يتعلق، بالصداقات. يلبي الطبخ، من حيث ارتباطه بالأسرة، الحاجة الغذائية اليومية، ورغم عدم خلوه من المتعة، إلا أنه لا يرتبط بالترفيه. على حين يلبي الشواء الجانبين معا.