Atwasat

التورط في المنصة الخطأ

جمعة بوكليب الخميس 11 أغسطس 2022, 11:55 صباحا
جمعة بوكليب

في نهاية الأسبوع الماضي، بدأ دوري كرة القدم الإنجليزي (البريميرليغ) دورته الجديدة لهذا العام. بداية كل دورة جديدة تعني أن فصل الصيف قد أوشك على الرحيل، مفسحاً المجال أمام فصل خريف آخر. وأعتقد أن علاقتي الودية جداً، بل الحميمة، بفصل الخريف منذ الصغر جاءت نتيجة تزامنه ببداية الموسم الكروي. الصيف عنوان كتاب لا علاقة له بكرة القدم. كتابٌ مقترنٌ دوماً بالحرية: العطلات المدرسية، الغوص في دفء مياه البحر، والرفرفة بجناحين تحت سماوات جديدة وغريبة، وليالي السمر وبهجة الأعراس.

يوم السبت الماضي، استيقظت مبكراً، وأعددت نفسي للذهاب إلى مشاهدة واحدة من أولى مباريات الدوري الإنجليزي، تقام في لندن، على أرض ملعب «فولهام». ورغم أن المسافة التي تفصل مقر سكناي عن الملعب تعد قريبة نسبياً، مقارنة بتلك التي تفصلني عن ملاعب فرق لندنية أخرى، إلا أنني تعمدت الاستيقاظ مبكراً والاستعداد للذهاب، لأن موعد بدء المباراة كان في منتصف النهار. هذه المرة الثانية التي تتاح لي فرصة زيارة ملعب فريق «فولهام».

فريق «فولهام»، كان ضمن فرق الدرجة الأولى في العام الماضي، وفاز بالبطولة. وحظي هذا العام بشرف الانتماء واللعب في «البريميرليغ» مرة ثانية. الطرف الآخر في المباراة فريقي المفضل «ليفربول». الملعب يعد واحداً من أصغر الملاعب من حيث السعة، لكن سعة قلبه قادرة على استيعاب شغف محبيه، وكذلك مشاعر زائريه مهما تنوعت واختلفت.

وما كان بمقدوري الحضور إلى الملعب، ومشاهدة المباراة، لولا دعوة كريمة من صديق كريم وصلتني، وكان وقعها على نفسي كاستلامي تهنئة بالعيد. الحصول على تذاكر لمشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي ليس سهلاً. لأن النوادي تحرص على توفيرها لأنصارها ومشجعيها، ولا توفر لغيرهم سوى القليل. لذلك تزدهر سوق سوداء، بأسعار مضاعفة تقترب من الجنون.

الذهاب إلى مشاهدة مباراة في لندن، أو غيرها من المدن الإنجليزية، لا يختلف عن الذهاب لحضور مهرجان كرنفالي، خاصة إذا كان الطقس صيفياً بديعاً مثل ما كان عليه يوم السبت الماضي. رجال ونساء وأطفال، من كل الألوان، يرتدون فانلات فريقهم، بوجوه زاهية فرحة. وغناء وزحام، فيبدو المكان لمن يحضره لأول مرة، وكأنه دخل صدفة حفلة عرس في منتصف النهار. وبالطبع، الحفلات تختلف من ملعب إلى آخر، نتيجة اختلاف التقاليد الكروية والخلفيات الاجتماعية. ملاعب المناطق الفقيرة في الشمال الإنجليزي تختلف تقاليدها عن ملاعب مناطق الجنوب الثري. وملاعب غرب لندن تختلف عن ملاعب جنوبها، وشمالها.

حضور مهرجان كروي، والاندغام في خضم زحام بشره، مثير للبهجة، وصحي جداً نفسياً للمرء، لأنه يكسر الطابع الروتيني اليومي بملله وضجره، وينسيه همومه ومشاكله لساعات قليلة، ويذهب عنه أحزانه، فلا يعود يفكر بالحرب التي تجري في أوكرانيا، ولا تلك التي تتأهب للاشتعال في تايوان، ويبتعد عن التفكير في مشاكل التضخم، وانتخابات الزعامة في حزب المحافظين، وإضرابات عمال السكك الحديد وغيرهم من العاملين في القطاعات المختلفة، ويكرس كل وقته للاستمتاع بما يحدث خارج الملعب وداخله.

مشكلة واحدة صغيرة طفت فجأة على السطح ذلك اليوم البهيج، وهي أنني صحبة مضيفي كنا، في الحقيقة، ضيوفاً على أشخاص آخرين من مشجعي فريق «فولهام»، تنازلوا لنا مشكورين عن تذاكرهم الموسمية، نتيجة ظروف خاصة بهم تمنعهم من الحضور ومشاهدة المباراة. صديقي وأنا من مشجعي فريق «ليفربول»، لكن مقعدينا تواجدا في منصة خاصة بمشجعي فريق «فولهام». مضيفي الكريم، لدى لقائنا، خارج الملعب، أخذني جانباً وشرح لي الموقف، ووصف حالتنا بأننا لا نختلف عن خلية «ليفربولية» سرية متواجدة في أراضي عدو. وهذا حرفياً يعني أن علينا التظاهر بأننا من مشجعي «فولهام»، لأن اللوائح تحرم وجودنا بينهم، وتفرض وجودنا في منصة أخرى مخصصة لمشجعي الفريق الزائر. طمأنت مضيفي وعاهدته على الالتزام بالهدوء، وعدم إبداء أي مشاعر قد يشتم منها، من يجلسون حولنا من مشجعي فريق «فولهام»، أني «ليفربولي» الهوى. وهذا يعني أنني في حالة تسجيل فريق «ليفربول» لهدف، لن أطير من مقعدي فرحاً، أو أصفق إعجاباً لأي لعبة جميلة يأتي بها لاعبوه. المشكلة، قلت لصديقي ومضيفي، ماذا سأفعل لو أن فريق «فولهام» سجل هدفاً: هل اضطر للنهوض من مقعدي متظاهراً بالفرح مثل ما يفعل أنصاره، أم أحافظ على هدوئي، مكتفياً بالانكماش إحباطاً في مقعدي؟