Atwasat

(مثقف)

صالح الحاراتي الأحد 07 أغسطس 2022, 10:33 صباحا
صالح الحاراتي

ثقَّفَ يثقِّف، تثقيفًا، فهو مُثقِّف. ثقَّف الشيءَ: أقام المُعوَجَّ منه وسوّاه. ثقَّف الإنسان: أدّبه وهذبه وعَلَّمه.

والمثقف هو كل من اشتغل بالثقافة إبداعا ونشاطاً بما يتضمن العاملين في حقل الكتابة والصحافة والتأليف والفن والفلسفة وغيرها.. هو إنسان ينتمي إلى فئة من المتعلمين المنخرطين في الأعمال الذهنية التي لها دور نقدي وتوجيهي وقيادي في تشكيل ثقافة وسياسة مجتمعهم .وهناك من يعتبر أن مصطلح "المثقف" مستحدث في اللغة العربية، وكان العرب ولوقت قريب يستخدمون مصطلح "الأديب" أو لفظة "الكاتب" على ما هو مقصود بالمثقف اليوم.

وهناك رأي آخر يقول بأنَّ المثقف هو شخص وُهِبَ ملكة عقلية لتوضيح رسالة، أو وجهة نظر ورأي، مما يستوجب عليه مجابهة المعتقدات التقليدية والإيديولوجيات الراكدة لإعلاء شأن حرية الإنسان .

اما مصطلح "المثقف العضوى" فهو تعبير استخدمه لأول مرة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، الذى رأى من خلال تعريفه أن ما يميز المثقف، هو ما يمتلكه من علم ومعرفة، ويمثل حالة متقدمة في الوعي، ضمن المجتمع الذي يعيش فيه.. وأن وعيه المتقدم هذا، يحمِّلُه باستمرار مسؤولية تاريخية، تتمثل في الإسهام في تجديد الفكر، بما يخدم مشروع التقدم والنهضة في بلاده.

ومن هذا التعريف نفهم أن دور ذلك المثقف هو عدم الانكفاء والعيش بالأبراج العالية، بعيداً عن مجتمعه وآماله وتطلعاته.. فالمثقف العضوي نموذج إنسانى مميز، وغالبا ما نراه يُغرد خارج السرب، وينأى بنفسه عن ملذات العيش في كنف السلاطين والمُستبدين، رافضاً أن يكون أداة لأهل السلطة لتبرير أفعالهم، أي أنه المثقف الذى يرغب بأن يكون لسان حال الجماعة البشرية التى ينتمى إليها ويعيش في كنفها، بل يحاول أن يكون المعبر الحقيقي عن معاناتها وطموحاتها وأحلامها.

وأظن أن ذلك هو المقصد الذي عبّر عنه "علي شريعتي" أيضا بطريقته حين يميز بين "المثقف الأصيل" و "المثقف التقليدي"، فالمثقف الأصيل برأيه، هو الذي يعي ويعيش مُعاناة الناس، وهو مُعارض ورافض دوماً لأن يكون أداة بيد السلطة.

ونستدعى هنا أيضا قولاً لعبد الرحمن الكواكبي حين يفرق بين المثقف الماجد بذاته والمثقف المتمجد بمجد السلطان، أي بين مثقف السلطة والمثقف الحر.

تقول د. آمال موسى أستاذة علم الاجتماع بالجامعة التونسية :

من حق السياسي الانخراط في أسلوب الواقعية وأن يكون عملياً على حساب الأفكار والمباديء، لأن الفعل السياسي بحكم آنيّته يسمح بالمناورة والمزايدة والانقلاب الكامل على سياسة سابقة، وذلك باعتبار أن السياسي يحاسَب على النتائج والشعوب تصوت لمن يغير واقعها بالأرقام والإحصائيات والأسعار.. ولكن المثقف هو من يغيّر عقول الناس ومَن يحميهم من هيمنة الواقع وتأثيره على الإبصار والرؤية السليمة والقدرة على التمييز بين الأشياء والأفكار والمباديء والقيم.

وفي هذا السياق أيضا يحضرنى قول للدكتور نصر حامد أبو زيد حين يقول:

لن أمل من تكرار أن المثقف يجب، أن يحافظ علي استقلاله. لأن السلطة السياسية، والسلطة الدينية، في مجتمعاتنا كلاهما يحاول أن يأخذ المثقف إلى جانبه، والمثقف في رأيي يجب أن يكون حارس قيم لا كلب حراسة، حارس قيم بمعنى حتى لو النظام السياسي في وطني الذي أنتمي اليه تبنى الأفكار التي أؤمن بها كاملة، يجب عليَّ دائما أن أحافظ على هذه المسافة المعرفية، هذه المسافة المعرفية تجعلني حارساً لهذه القيم، لأن القيم في تطبيقها السياسي تُصاب بكثير من التلوث .

ونعود لمثقف غرامشي العضوي، لنشير إلى أنه مثقف أيديولوجي ينطق باسم الجماعة التي هو منها فهو "مثقف ثوري" مهمته التنظير لـ "الهيمنة الثقافية" للأيديولوجية التي ينتمي إليها ذلك المثقف!، وعليه أن يعمل بجد وكد وجهد فكري ونظري مُتميز كي تكون جماعته هي المهيمنة ثقافياً على المشهد السياسي والفكري والاجتماعي.

إن مفهوم غرامشي عن "المثقف العضوي" لا يشمل كل الذين لا ينشغلون بهموم الطبقة الذين هم منها، فهؤلاء يعتبرهم في عداد "المثقفين التقليديين"، لأنهم يكتبون ويُنظرون للأدب من أجل الأدب، والعلم من أجل العلم، بينما تكون وظيفة "المثقف العضوي" عنده هي وظيفة اجتماعية تقتضي "التغيير" وفق رؤية ومُعتقد وأيديولوجيا ذلك المثقف.

نذهب من باب المقارنة لنستحضر نموذجا آخر من المثقفين يسميه البعض "المثقف الأكاديمي".. ذو النزعة الأكاديمية وصاحب الروح الفردية، والانغلاق على الوسط الأكاديمي، وما يفرضه ذلك الوسط من اهتمامات وانشغالات تحتاج إلى قدر من التفرّغ لإعداد البحوث والمحاضرات، بالإضافة إلى لغته الاصطلاحية التي يتعامل معها الأكاديمي بألفاظها وتعبيراتها التي لا يتعامل معها رجل الشارع العادي، ولذلك لا يعيرهم المجتمع أي اهتمام يذكر، وغالبا ما يكون غرضهم الأساس هو التقدم الأكاديمي لا التغيير الاجتماعي، ولذلك لا أظن أنهم يستحقون أن نطلق عليهم وصف "المثقف العضوي".