Atwasat

حول المرآة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 07 أغسطس 2022, 10:29 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تمثل المرآة ابتكارا بالغ الأهمية في حياتنا اليومية، وتتخذ علاقتنا بها مستوى كبيرا من "الحميمية".

لكن، قبل ذلك، ينبغي أن نعود إلى المرحلة التي سبقت تفكير الإنسان في ابتكار المرآة.

نفترض أن "الإنسان العاقل homo-sapiens" عندما رأى أول مرة صورة "كائن" مثله منعكسة تحت الماء الذي أكب عليه ليشرب منه، لم يخطر له على بال أنه يشاهد صورته هو نفسه.

إذ إنه لم يسبق له أن رأى نفسه ماثلة أمامه من قبل بحيث يتعرف في الكائن الموجود تحت الماء إلى ملامحه ويقول "هذا أنا". لقد اعتقد أنه يشاهد كائنا آخر يشبه نوع الكائن الذي ينتمي إليه، إنما "يعيش تحت الماء"، مثل الكائنات المائية، وليس فوق الأرض. ولم يجعله قيام هذا الكائن بنفس ما يقوم به هو من حركات يشك في هذا الاستنتاج.

وربما حدث أن أكب اثنان معا على غدير ليشربا، فانتبه كل منهما إلى أن الكائن الموجود تحت الماء تطابق ملامحه ملامح الشخص المنكب عليه.

- هذا يشبهك تماما!
- وهذا يشبهك تماما!
قال كل منهما للآخر.

لكن لم يفكر أي منهما في أن الكائنين الظاهرين تحت الماء هما صورة كل منهما نفسيهما تنعكس على سطح عاكس. واستمر الاعتقاد بأنهما كائنان آخران منفصلان عنهما، وإن كانا يماثلانهما، يسكنان تحت الماء.

المرجح أنه من هنا ظهرت فكرة "القرين" التي مؤداها أن لكل شخص من البشر قرينا مماثلا، نسخة أخرى طبق الأصل منه، لكائن خفي نادرا ما يتجلى.

ولعله من هنا أيضا انحدرت نظرية أفلاطون في المثل، القائلة بأن موجودات العالم الأرضي لها مثل تقابلها في ما يسميه "عالم المثل". ليس لكل شيء مفرد، ولكن مثال يجمع النوع الذي ينتمي إليه هذا الموجود. فهناك في عالم المثل هذا مثال واحد للرجل ومثال للمرأة والتفاح وهناك زيتونة مثال للزيتون المتوزع على الأرض... وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى المصنوعات أيضا، فهناك مثال في عالم المثل (في السماء) للكوب والكرسي، وما إليه.

في الموجودات، رغم تعددها، تعتبر تجليات وتمظهرات، وإن شئت انعكاسات، للمثل المكبة على الأرض.

ومع التطور العقلي للإنسان وملاحظته أن السطوح المائية تنعكس عليها جميع الأشياء الموجودة أمامها من نباتات وحيوانات وجمادات، وتنعكس عليها السماء بسحبها، أدرك أنه إنما يشاهد صورته هو الشخصية. عندئذ فكر في صناعة سطوح صقيلة يطالع فيها وجهه متى ما أراد. وعبر القرون تطورت صناعة المرايا وتحسنت قدرتها على عكس صور من وما يوجد أمامها في نقاء.

لقد أدت المرآة وظيفة مهمة بالنسبة إلى الإنسان إذ جعلته يتعرف إلى نفسه، ومكنته من أن يراقب عبر السنين ما يطرأ على ملامحه من تبدل بحكم العمر، وصارت أداة لا يُستغنى عنها في حياته اليومية. صرنا نجد المرايا والسطوح العاكسة في عديد ما نرتاده من أماكن، وعندما تظهر لنا صورتنا فإننا نقابل أنفسنا.