Atwasat

ليبيا.. التورط والتدخل

رافد علي الخميس 04 أغسطس 2022, 01:37 مساء
رافد علي

جدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الأحد الماضي، تمسكه بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة باعتبارها «الحكومة صاحبة الشرعية في ليبيا»، واكد في لقائه المتلفز مع وسائل إعلام جزائرية أن الانتخابات الليبية هي أجذر الحلول لتجاوز الأزمة، منوهاً إلى أن «سوء تسير قضية الأزمة الليبية... والتدخلات» هي ما «تفسد الحلحلة الليبية- الليبية» ، متسائلاً بذات اللقاء عما إذا كانت الأزمة الليبية « تتعكر عمداً»!، من دون توجيه اتهام مباشر لدول بعينها.

الموقف الجزائري من الأزمة الليبية وقضية الانتخابات فيها ليس بالجديد، فقد كانت الجزائر، ولسنوات ماضية عديدة، تتبنى سياسة اللجوء لصندوق الاقتراع وبدستور المملكة الليبية للعام 1951 بعدما تعثرت أعمال لجنة الستين، وبروز التوترات السياسية بين أطياف المشهد الليبي التي حالت دون وضع قاعدة دستورية تنظم الانتخابات حتى اللحظة. بل إن واقع الحال اليوم يشير إلى تصريحات صحفية للرئيس تبون في 23 أبريل الماضي بشأن الأزمة الليبية، تبين بوضوح شديد الموقف الجزائري الرسمي حيال «الشرعية» في ليبيا و«الإسراع بالانتخابات في أقرب الآجال»، رافضةً تبني البعض سياسة «تعدد مسارات الحل السياسي التي تعقد الأزمة الليبية وتطيل أمدها»، وهي ذات المفردات التي يستخدمها أي دبلوماسي جزائري يتحدث عن الأزمة الجزائرية حالياً.

السياسة الخارجية الجزائرية برئاسة عبدالمجيد تبون، باتت تحاول أن تثبت وجودها الإقليمي بعد أن عاشت الجزائر مرحلة «ترهل سياسي» مشهود بالسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة المقعد والمريض، مما أدخل الجزائر في تجاذبات سياسية داخلية حادة جداً، جعلت منها، كدولة وسلطة، محل تعجب وتساؤل بسبب ضعفها سياسياً ودبلوماسياً على المستويين الإقليمي والدولي، ويتجلى هذا في حالة غياب الدبلوماسية الجزائرية في جلسات الحوار الليبي في جنيف وبوزنيقة والقاهرة وكذلك في تونس.

موقف الجزائر من الأزمة الليبية بوقوفها اليوم إلى جانب حكومة الدبيبة كـ«صاحب الشرعية»، في مواجهة حكومة باشاغا، المكلف من برلمان طبرق كحكومة موازية، يعتبره عديد المراقبين في الجزائر موقفاً لا يتمنى إثارة أية خلافات مع البلدان الضالعة في تفاصيل الأزمة الليبية، خصوصاً مصر والإمارات والسعودية أو حتى تركيا، أحد أكبر شركاء الجزائر الاقتصاديين، وكذلك روسيا الحليف الاستراتيجي للجزائر، وهو ما دفع عبدالمجيد تبون، إلى التريث في قبول مقترح الدبيبة، لاحتضان مؤتمر لوزراء خارجية الدول المعنية بالملف الليبي، بل في المقابل، وجهت الجزائر رسائل صريحة إلى مجلس النواب الليبي في طبرق، مشددة على أن الشعب الليبي وحده من يملك شرعية اختيار حاكمه، وليست مؤسسات أضحت «التمثيل فيها قضية نسبية».

ويعزز هذا التوجه في التفسير للسياسة الخارجية الجزائرية المتعلقة بالأزمة الليبية رواج الاعتقاد بأن الجزائر تتبنى نهج الحوار والتفاهم، بدل تبني أي «مقاربات خشنة» مع الضالعين في تلابيب الشأن الداخلي الليبي بكل أبعاد أزمته والحرب فيها، رغم تعديلها الدستوري القاضي بإمكانية إرسالها لـ«وحدات عسكرية للخارج»، خصوصاً أن الجزائر اليوم تبدو مستعدة وحريصة على استضافة القمة العربية في نوفمبر المقبل تحت شعار «المصالحة العربية»، وسعيها بالخروج من هذه القمة بشيء يتجاوز نمطية القمم العربية في توصياتها وقراراتها، باعتبار أن «الجزائر قادرة على تحقيق ذلك» بحسب تصريحات تبون مساء الأحد الماضي.

يبدو أن التلويح بـ«لا حل في ليبيا دون الجزائر» قد عاد للواجهة السياسية بروح جديدة، وضمن خطة عمل جزائرية تراوحت بين الاستعراض العسكري المهيب في ذكرى استقلالها الأخير، وممارسة ثقلها الدبلوماسي المعروف كجارة غربية لليبيا لأجل ضمان سلامة وأمن عمقها الاستراتيجي، عبر قيام نظام حكم ليبي منتخب شعبياً عوضاً عن «نهج التعيينات التي فشلت حتى الآن في ليبيا»، بحسب تعبيرات الرئيس الجزائري في وقت سابق. فلا شك في أن الأزمة الليبية جعلت البلاد ساحةً للصراع بين القوى الكبرى على النفوذ في منطقة المغرب العربي والساحل الأفريقي. فالأنفاس الجزائرية الجديدة مع إدارة الرئيس تبون جاءت بعد أن وضعت الأزمة الليبية مبادئ سياسة الجزائر الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعقيدتها الأمنية والعسكرية المرتكزة على عدم مشاركة الجيش الجزائري في عمليات عسكرية خارجية في امتحان صعب، يتمثل في التوفيق بين تحقيق مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية، ومكافحتها للتهديدات الناجمة عن الأزمة الليبية.

قد تكون الشرعية في ليبيا الآن قضية يسهل تجاوزها صورياً بإجراء انتخابات عامة وشفافة، وبمراقبة دولية، إلا أن العطب الأساس في ليبيا سيظل أساساً هو المليشيات ورواج السلاح خارج إطار مؤسسة الدولة، فهل ستكون معضلة انفلات السلاح هي جوهر الخلاف بين المتورط في صراع ليبيا وبين المتدخل سياسياً؟!، أم أن واجهة حكومية منتخبة تبيع النفط وتجيد المراسم الدبلوماسية كفيلة بأن تكون حلاً لـ«دولة» في الإقليم؟!