Atwasat

هل تستطيع أفريقيا أن تحل محل روسيا كمورد رئيسي للطاقة لأوروبا؟ (2-2)

عمرو سعيد الختالي الخميس 04 أغسطس 2022, 01:32 مساء
عمرو سعيد الختالي

تحتل ليبيا المرتبة 21 على مستوى العالم والسابعة في أفريقيا في ما يتعلق باحتياطاتها من غاز العالم. فلدى ليبيا 53 تريليون قدم مكعبة من احتياطات الغاز المؤكدة، وهو ما يمثل أقل من 1 % من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي في العالم. ووفقاً للبيانات الرسمية الليبية في العام 2015، فقد أنتجت ليبيا 591 مليون قدم مكعبة في السنة واستهلكت 158 مليون قدم مكعبة. ونتيجة لذلك، كان لدى ليبيا فائض قدره 433 مليون قدم مكعبة، ولكن لم يتم تصدير سوى 250 مليون قدم مكعبة فقط. ولو كان المناخ السياسي يسمح، لكان هناك أكثر من 180 مليون قدم مكعبة من احتياطات الغاز متاحاً للتصدير.
وقد زادت قدرات الإنتاج والتصدير الليبية بشكل كبير من العام 2017 إلى العام 2020 لتصل إلى 7.11 مليار متر مكعب في العام 2019. غير أن الصادرات تراجعت مرة أخرى في العام 2020 لتصل إلى 4.84 مليار متر مكعب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصادرات الليبية بلغت ذروتها في العام 2010 عندما وصلت إلى 10 مليارات متر مكعب.

وفي ما يتعلق بالإسالة، وهي عملية تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز طبيعي مسال، تأتي الجزائر في الصدارة، إذ لديها أول محطة في أفريقيا. فمحطة تسييل الغاز الطبيعي في الجزائر، ««Arzew» GL1Z»، بدأت العمل في العام 1964. علماً بأن شركة «سوناطراك» Sonatrach الجزائرية تملك هذه المحطة وتديرها. تعمل «Arzew» بطاقة 8 ملايين طن سنوياً، جميعها خاضعة لعقود طويلة الأجل، مع عدم وجود خطط توسيع أو تحديث في المستقبل القريب.

م افتتاح مصنع Amtpa Brega الليبي في العام 1970، وكان ثاني منشأة تسييل يجري تشغيلها في أفريقيا. ولكن لسوء الحظ، لم يقم مصنع Amtpa Brega بتصدير الغاز منذ العام 2005 بسبب ما يحتاجه من صيانة وإصلاحات. كما أن جميع الجهود الرامية إلى إعادة شركة «شل» Shell لاستكمال الأعمال اللازمة لاستئناف الإنتاج فشلت بسبب الحرب الأهلية.

ولكن في الآونة الأخيرة، برزت مصر لتمتلك قدرات تسييل الغاز الأحدث والأكبر والأكثر تطوراً في أفريقيا.
بالمقارنة مع جيرانها، تعد مصر حديثة العهد في صناعة الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإن دخولها المتأخر في هذه الصناعة منحها ميزة القدرة على تطوير خطط تتماشى مع الاحتياجات المستقبلية للمنطقة. لدى مصر محطتان رئيسيتان للتسييل، وهما مصنع «إدكو» Idku ومصنع «دمياط» Damietta.
تم افتتاح مصنع «إدكو» Idku في العام 2001 من خلال استثمار ملياري دولار أميركي بالشراكة مع شركة «شل» Shell وشركة «بتروناس» Petronas وشركة «إديسون» Edison وشركة «إنجي» Engie، وهو تحت إدارة الحكومة المصرية. ويتمتع المصنع بالقدرة على تصدير ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى الأسواق العالمية سنوياً.
أما مصنع «دمياط» Damietta فقد بدأ العمل في العام 2004 من خلال استثمار 1.3 مليار دولار أميركي بالشراكة مع مورِّد الطاقة الإيطالي شركة «إيني» Eni ومورِّد الطاقة الإسباني شركة «فينوسا» Fenosa، وهو يهدف إلى تزويد إسبانيا والأسواق الأوروبية الأخرى بإمدادات الغاز اللازمة. تبلغ الطاقة التصديرية للمصنع 7.56 مليار متر مكعب سنوياً.

وإجمالاً، فإن هذين المصنعين يمنحان مصر القدرة على تصدير ما يقارب 20 مليار متر مكعب إلى أوروبا والأسواق الأخرى سنوياً.
ووفقاً لوكالة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، فإن اكتشافات الغاز الطبيعي في دلتا النيل والبحر الأبيض المتوسط والصحراء الغربية بمصر توفر لهذا البلد 2.19 تريليون متر مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة، وهو ما يجعلها ثالث أكبر مالك لاحتياطات الغاز الطبيعي في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر.

لاستقرار السياسي في مصر يجعلها المرشح الأول لتصبح مركزاً إقليمياً للغاز من خلال السماح للمنتجين، مثل إسرائيل وقبرص، باستخدام منشآتها الخاصة بالغاز الطبيعي المسال لتصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية. كانت استراتيجية التجميع هذه قيد المناقشة منذ العام 2018. وهذه الاستراتيجية يمكن أن تزود أوروبا بالتنويع السوقي الذي تحتاجه، وتساعد كلاً من مصر وإسرائيل وقبرص على تعزيز قدراتها التصديرية من خلال قدرة هذه البلدان على الجمع بين منشآتها وبنيتها التحتية وخبراتها.

ستمر مشكلات الأمن الداخلي والاستقرار في أفريقيا في التأثير على النمو الاقتصادي والتقدم فيها في القرن الحادي والعشرين. فعلى مدى الخمسين عاماً الماضية، وعلى الرغم من وفرة احتياطات النفط والغاز، فشلت هذه القارة في الوصول إلى مستوى من الاستقرار الذي يمكِّنها من المنافسة في سوق إمدادات الطاقة العالمية.

وفي العام 2021، تأكد أن أفريقيا لديها أكثر من 125.3 مليار برميل من احتياطات النفط الخام وما يقارب 148.60 تريليون متر مكعب من احتياطات الغاز المؤكدة، وهو ما يمثل أكثر من 7 % من الاحتياطات العالمية. مع وجود هذا الكم الهائل من الثروات، قد يعتقد المرء أن القارة يجب أن تكون فردوساً في طور التكوين، ولكنها ليست كذلك للأسف.

ذن، هل يستطيع زعماء أفريقيا أن يضعوا خلافاتهم العديدة جانباً وينتهزوا هذه الفرصة الذهبية للعمل مع أوروبا وتزويدها بالغاز الذي هي في حاجة شديدة إليه. وفي مقابل ذلك، يمكِّنون أوروبا من تزويد البلدان الأفريقية بالإيرادات اللازمة لتمويل مشاريع البنية التحتية التي هي في أمس الحاجة إليها من أجل دعم النمو في هذه القارة؟

لسؤال الرئيسي هنا هو: هل تستطيع أوروبا أن تعتمد على أفريقيا كشريك قوي لتزويدها بالغاز؟
في رأيي، الجواب هو لا. فاقتصاد الاتحاد الأوروبي البالغ 17.90 تريليون دولار أميركي لا يمكنه الاعتماد على بلدان مثل ليبيا والنيجر وموزمبيق والكونغو والجزائر لتحل محل روسيا.

ن صراع الجزائر المتواصل مع مطالب شعبها بالتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي يشكل خطراً كبيراً على استقرارها المستقبلي، وهو ما سيؤثر على قطاع النفط والغاز في البلاد بشكل كبير، ذلك ما لم تتعامل الحكومة مع هذا الأمر بجرأة.

ما في ما يتعلق بليبيا، فيبدو أن الاتحاد الأوروبي قد تخلى بالفعل عن إمكانية عودتها كجزء من المجتمع الدولي، في المدى القصير على الأقل. فانحدارها المستمر إلى الفوضى والحرب الأهلية، الذي يغذيه سياسيوها الفاسدون والميليشيات المحلية والقوى الإقليمية، يؤدي إلى تصنيفها دولة فاشلة. وقد تردد صدى ذلك في استراتيجيات توسيع أعمال شركة «إيني» ENI الإيطالية على مدى الأشهر الأربعة الماضية، فنجد انتقالاً كبيراً بعيداً عن ليبيا كمورِّد، وتحركاً نحو مصر والجزائر.

وفي الوقت الراهن، تتأثر أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، تأثراً كبيراً بالحرب الروسية - الأوكرانية. إن لم تتوقف هذه الحرب قبل وصولنا إلى نهاية الصيف، فإن الصعوبات في إمدادات الطاقة ستزداد حدة. ومع ذلك، وبينما تتمتع أفريقيا بالقدرة على الحلول محل روسيا كمورِّد بارز للطاقة إلى أوروبا، فإن عدداً كبيراً من العقبات، مثل الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية وانعدام الأمن، تقف في طريقها بقوة، مما يمنع من أن يصبح ذلك حقيقة واقعة.

* باحث في الاقتصاد السياسي وصناديق الثروة السيادية في أفريقيا والشرق الأوسط
مدير مركز الختالي للاستشارات الدولية في أميركا