Atwasat

كراسات البوصيري عبد الله!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 02 أغسطس 2022, 12:15 مساء
أحمد الفيتوري

شباب ليبي، بُعث إلى أوروبا للدراسة، لكن قلة منهم درس على نفقته، ولا أظن أن فيهم أكثر من واحد، من كان في طرابلس، في بلاده، يجد صعوبة في العيش، لكن لذلك غادر طرابلس إلى باريس لأجل أن يدرس، ويدرس المسرح. هو في مقتبل العمر في عقد الستينيات، عقد الشباب الثائر في العالم، المتمرد على الوجود، الرافض القائم، شباب الخنافس والهيبز والفلسفة الوجودية والحركة الطلابية، اليسار وبريخت وتشي وحركات التحرر، فلسطين وفيتنام ومانديلا وسلفادور إيلندي.

البوصيري عبد الله، سكن مفرداً في شقق بشوارع بنغازي، عند عودته من باريس، شقة منها تجانب البنك العقاري، شارع عمر المختار، له رفيق وحيد، تشي القط، ما يعتني به كرفيق لا محالة.
ليس البوصيري عبد الله، من درس المسرح في فرنسا فحسب، من غيره: المخرج الراحل محمد العلاقي، الممثل الطاهر القبائلي...!، لكن البوصيري قبل وبعد، المسرح عنده صخرة سيزيف، حتى إن سقطت عنه يعيد حملها، خاصة في البدء الشغف أصاب لبه، لذا كانت عقيدته المسرح والمسرح الملتزم. عندما جاء بنغازي يسعى، مسعاه كان مسرحياً، ظاهره كباطنه بات مسرحاً، لما قابلته: كنت في المسرح الحديث، في هذه الفرقة، رفقة المخرج علي محمد المصراتي، والمخرج والممثل والفنان التشكيلي الراحل علي بوجناح.

المسرح أستاذ الشعوب، عندما عاد المسرحي من منفاه الاختياري، من باريس ما تُعجز المقتدر، لكن البوصيري كابد معاناة: أن يكون أو لا يكون حسب شكسبير. من باريس ملأ جعبته بالدرس الأول: أن المسرح أستاذ الشعوب، أن الشعوب من الكادحين، لا يكون المسرح أستاذهم إلا متى كان ملتزماً. فكدح أن يعيش في الوطن مثلما عاش في باريس، في باريس التلميذ المجد من عاندته اللغة، في بنغازي سيعاند اللغة فيرحل إلى القاهرة، لأجل أن تطاوعه لغته الأم العربية. وهذه عقدة من عقد فريد، صاغه البوصيري عبد الله في مبتدئه، ما سيختلف بالضرورة عن خبره.

غبت عن مكتبتي زمناً، عندما قاربتها منذ أيام، عند عودتي من سفر ليس بالقصير، أمسك بأصابعي مصادفة كتيباً صغيراً، سيكون عمود المقال هذا، أدهشني ما لقيت فانسكبت الذاكرة مترعة: الكتيب كراسة من كراسات البوصيري عبد الله. الغلاف بسيط والحجم كتاب جيب/ 64 صفحة. الغلاف الأول: ثلجي تقطعه خطوط طويلة على العرض والطول، اللون قرمزي محمر، الكتابة زرقاء: الكراس المسرحي (1)/ تطور المفاهيم المسرحية/ بقلم البوصيري عبد الله. حقوق الطبع محفوظة للمؤلف/ الطباعة دار الحقيقة بنغازي/ الغلاف الأخير: السعر 250 درهماً/ ثم الكلمة التالية: «لا أطمح من وراء هذه السلسلة، إلا أن تساهم في الثقافة المسرحية، وأن تحقق للفنان المسرحي نوعاً من الاعتبار المعنوي، في مجتمع يعيش فيه غريباً مطارداً... ولا شيء أكثر – البوصيري».

لا يوجد تاريخ للطباعة، لكن في آخر الكراس كتب: طرابلس 25/ 5/ 1972م. ثم أن النسخة ليست نسختي، بل جاءتني هدية ممن كتب المؤلف الإهداء التالي إليه: الأخ على المصراتي، مع جزيل الشكر على هذا التشجيع، ثم توقيع البوصيري عبد الله والتاريخ 11/12/ 1972م. أما عن محتويات الكراس المسرحي (1) فمنها: مدخل- وقفة أمام حتمية التطور المسرحي، المسيرة الكبرى – المسرحية اليونانية – المسرحية الرومانية- المسرحية الإليصباتية- المسرحية البرجوازية – الميلو-دراما – المسرحية الرومانطقية ... وفي الصفحة الأخيرة: العدد القادم حول شعار المسرح أستاذ الشعوب.

لقد كتب البوصيري عبد الله كراساته، ثم أخرجها وراجعها وصححها، ثم طبعها على حسابه الشخصي، من قوته اليومي الأقل من القليل، ثم حملها ووزعها بيده، للزملاء والأصدقاء، ثم حمل وزر ما فعل، فقد ووجه بتهم جمة في نظام سياسي واجتماعي متعسف، ووسط فني صعب المراس، اتجاه التثقيف والمبادرات الفردية. رغم هذا وغصباً، لم يكل آنذاك البوصيري عبد الله، عن أن تكون له كراسات، هي في الثقافة المسرحية سبق لا مثيل له: الهدف الطريق والطريقة، والمسير لأجل ذلك هو الوصول، الآن في هذه المقالة لسان الحال: الرسالة وصلت، وصلت الرسالة، وحدث أن تغير العالم وتغيرنا، فطنا لذلك، قبلنا بذلك، لا يهم...