Atwasat

صداع السلاح

بشير زعبية الجمعة 29 يوليو 2022, 12:10 مساء
بشير زعبية

السلاح‭ ‬ثم‭ ‬السلاح،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المشكلة،‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬كثيرون‭ ‬تجاوزها،‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬كأمر‭ ‬واقع،‭ ‬وقفزوا‭ ‬من‭ ‬فوقها‭ ‬ليصلوا‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الانتخابات‭ ‬كحل‭ ‬للأزمة‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تتخبط‭ ‬فيها‭ ‬البلاد‭.. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬هي‭ ‬أفضل‭ ‬الخيارات‭ ‬إذا‭ ‬أُتيح‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تُنجز‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬طبيعية،‭ ‬كوسيلة‭ ‬باتجاه‭ ‬إنهاء‭ ‬المراحل‭ ‬الانتقالية‭ ‬المستمرة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية،‭ ‬والشروع‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬موحدة‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬برأس‭ ‬واحد،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬يبقى‭ ‬خياراً‭ ‬رغبوياً‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬واقعياً‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬غابة‭ ‬السلاح‭ ‬المنتشر‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬والتي‭ ‬تفرض‭ ‬قانونها‭ ‬الخاص‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬غابة،‭ ‬وهو‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬والبقاء،‭ ‬وسيكون‭ ‬البقاء‭ ‬للأقوى،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬غابتنا،‭ ‬أو‭ ‬حالتنا‭ ‬البقاء‭ ‬للأكثر‭ ‬تسلُّحاً،‭ ‬ولن‭ ‬ينتهي‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬قامت‭ ‬الدولة‭ ‬واحتكرت‭ ‬السلاح‭ ‬والقوة‭ ‬عبر‭ ‬مؤسساتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬الآن‭ ‬قريباً‭.‬

إذاً‭ ‬لا‭ ‬مهرب‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬معضلة‭ ‬السلاح،‭ ‬كامناً،‭ ‬أو‭ ‬منفلتاً،‭ ‬قبل‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬سياسية‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ولنفترض‭ ‬هنا‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬أُنجزت‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬أخرى،‭ ‬وذهب‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‭ ‬وانتخبوا‭ ‬مرشحهم‭ ‬ليكون‭ ‬رئيساً‭ ‬للبلاد،‭ ‬وبقي‭ ‬السلاح‭ ‬خارج‭ ‬أيدي‭ ‬الدولة،‭ ‬وظل‭ ‬حاملوه‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬الآن،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سيضمن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬حيادية‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاصطفاف‭ ‬السياسي‭ ‬القبلي‭ ‬والجهوي،‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬ينتهي‭ ‬قريباً؟‭ ‬والذي‭ ‬يراهن‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬الاستقواء‭ ‬بحاملي‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والمال؛‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬يضمن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تهديد‭ ‬وابتزاز،‭ ‬وربما‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يسمون‭ ‬بالقوة‭ ‬الفاعلة‭ ‬على‭ ‬الأرض؟

ما‭ ‬حدث‭ ‬وتكرر‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس‭ ‬من‭ ‬اشتباكات‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬يثبت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬السلاح‭ ‬هو‭ ‬‮«‬برميل‭ ‬البارود‮»‬‭ ‬القابل‭ ‬للانفجار‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬وسيبقى‭ ‬العامل‭ ‬المهدد‭ ‬لأي‭ ‬عملية‭ ‬سياسية‭ ‬تتجاوز‭ (‬أصحاب‭ ‬القوة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭) ‬ولا‭ ‬يكونون‭ ‬طرفاً‭ ‬فيها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬عبر‭ ‬فشل‭ ‬جهود‭ ‬ستة‭ ‬مبعوثين‭ ‬أمميين‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة،‭ ‬وسلسلة‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬ومدينة‭ ‬أوروبية‭ ‬وآسيوية‭ ‬وأفريقية،‭ ‬وتجلت‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬أبريل‭ ‬2019‭ ‬عندما‭ ‬أطاح‭ ‬السلاح‭ ‬بمؤتمر‭ ‬غدامس،‭ ‬الذي‭ ‬أعدت‭ ‬له‭ ‬البعثة‭ ‬الأممية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬اعتقدته‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬النجاح،‭ ‬وفرض‭ ‬السلاح‭ ‬حينها‭ ‬منطقه‭ ‬على‭ ‬الحوار،‭ ‬وكانت‭ ‬الحرب،‭ ‬حتى‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬طمأنة‭ ‬نفسه‭ ‬بمقاربة،‭ ‬أو‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬رصاص‭ ‬ودم،‭ ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬كويس،‭ ‬يكتشف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬يشبه‭ ‬حبة‭ ‬‮«‬البنادول‮»‬‭ ‬المسكنة‭ ‬للصداع‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ينتهي‭ ‬مفعولها،‭ ‬عند‭ ‬إطلاق‭ ‬أول‭ ‬طلقة‭ ‬رصاص‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.. ‬ولن‭ ‬يكتب‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتخلص‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصداع‭ ‬دون‭ ‬معالجة‭ ‬معضلة‭ ‬السلاح‭ ‬المنفلت‭ ‬القاتل‭.‬