السلاح ثم السلاح، تلك هي المشكلة، مهما حاول كثيرون تجاوزها، أو التعامل معها كأمر واقع، وقفزوا من فوقها ليصلوا إلى الحديث عن الانتخابات كحل للأزمة الشاملة التي تتخبط فيها البلاد.. صحيح أن الانتخابات هي أفضل الخيارات إذا أُتيح لها أن تُنجز في ظروف طبيعية، كوسيلة باتجاه إنهاء المراحل الانتقالية المستمرة على امتداد السنوات العشر الماضية، والشروع في استعادة مؤسسات الدولة موحدة تحت سلطة تنفيذية برأس واحد، لكن هذا الخيار يبقى خياراً رغبوياً أكثر منه واقعياً مع وجود غابة السلاح المنتشر في البلاد، والتي تفرض قانونها الخاص مثل أي غابة، وهو الصراع من أجل السيطرة والبقاء، وسيكون البقاء للأقوى، ما يعني في غابتنا، أو حالتنا البقاء للأكثر تسلُّحاً، ولن ينتهي الصراع على مناطق النفوذ، إلا إذا قامت الدولة واحتكرت السلاح والقوة عبر مؤسساتها العسكرية والأمنية، وهذا لا يبدو الآن قريباً.
إذاً لا مهرب من معالجة معضلة السلاح، كامناً، أو منفلتاً، قبل التفكير في أي عملية سياسية لحل الأزمة، بما في ذلك الانتخابات، ولنفترض هنا مثلاً أن الانتخابات أُنجزت بطريقة أو أخرى، وذهب الناس إلى صناديق الاقتراع، وانتخبوا مرشحهم ليكون رئيساً للبلاد، وبقي السلاح خارج أيدي الدولة، وظل حاملوه كما هم الآن، ما الذي سيضمن في هذه الحالة حيادية هذا السلاح خصوصاً في ظل الاصطفاف السياسي القبلي والجهوي، الذي لن ينتهي قريباً؟ والذي يراهن دائماً على الاستقواء بحاملي السلاح في دوامة الصراع على السلطة والمال؛ بل من يضمن أن يكون الرئيس المنتخب بعيداً عن تهديد وابتزاز، وربما المجموعات المسلحة، أو من يسمون بالقوة الفاعلة على الأرض؟
ما حدث وتكرر في العاصمة طرابلس من اشتباكات بين هؤلاء يثبت مرة أخرى أن السلاح هو «برميل البارود» القابل للانفجار في أي لحظة، وسيبقى العامل المهدد لأي عملية سياسية تتجاوز (أصحاب القوة على الأرض) ولا يكونون طرفاً فيها، وهذا ما رأيناه عبر فشل جهود ستة مبعوثين أمميين إلى ليبيا لحل الأزمة، وسلسلة من المؤتمرات الدولية انعقدت في أكثر من عاصمة ومدينة أوروبية وآسيوية وأفريقية، وتجلت هذه الحقيقة في أبريل 2019 عندما أطاح السلاح بمؤتمر غدامس، الذي أعدت له البعثة الأممية في ليبيا كل ما اعتقدته من عوامل النجاح، وفرض السلاح حينها منطقه على الحوار، وكانت الحرب، حتى المواطن الذي حاول طمأنة نفسه بمقاربة، أو نظرية «كل يوم يمر دون رصاص ودم، هو يوم كويس، يكتشف في كل مرة أن هذا المنطق يشبه حبة «البنادول» المسكنة للصداع سرعان ما ينتهي مفعولها، عند إطلاق أول طلقة رصاص من هذا الطرف أو ذاك.. ولن يكتب له أن يتخلص من هذا الصداع دون معالجة معضلة السلاح المنفلت القاتل.
تعليقات