Atwasat

هل تستطيع أفريقيا أن تحل محل روسيا كمورد رئيسي للطاقة لأوروبا؟ (1-2)

عمرو سعيد الختالي الأربعاء 27 يوليو 2022, 01:59 مساء
عمرو سعيد الختالي

حتى وقت قريب، كانت روسيا تزود أوروبا بمتوسط يزيد على 150 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، وهو حجم لا يمكن التعويض عنه من خلال وسائل بديلة بسهولة. ولكن غزو روسيا لأوكرانيا أجبر مستوردي الطاقة في العالم على البحث عن مصادر بديلة للطاقة، الأمر الذي أدى إلى التزاحم من أجل تأمين الإمدادات على المديين القصير والطويل.

في 22 فبراير 2022، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، قرار حكومته وقف التصديق على مشروع «نورد ستريم 2» (Nord Stream 2) الذي تمتلكه روسيا، الذي تبلغ قيمته 11 مليار دولار أميركي. وكان هذا المشروع أنشئ بغية مد خط أنابيب الغاز الروسي الرئيسي إلى أوروبا، وعلى الأخص لتزويد ألمانيا التي تستهلك 102 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، والتي تعد أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي في أوروبا.

وفي 8 مارس 2022، صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قائلة: «يجب أن نستقل عن النفط والفحم والغاز الروسي. فببساطة، لا يمكننا الاعتماد على مورد يهددنا بشكل صريح.»

وقد شهدت الأشهر الخمسة الماضية قيام دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بتمشيط سلسلة إمداد الطاقة العالمية بحثاً عن موردين بدلاء لأوروبا. ولكن لسوء الحظ، كان ذلك دون جدوى بسبب مشكلات الإنتاج وتكاليف الشحن والتزامات الموردين القائمة.

ووفقاً لشركة «رايستاد إينيرجي» Rystad Energy الأميركية، ففي بداية الحرب الروسية - الأوكرانية كان لدى الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 102 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال في عقود مرنة كان بإمكان أوروبا استخدامها، لكن مشكلات الشحن والتكاليف تمنع حدوث ذلك.

هل تستطيع أفريقيا أن تلبي احتياجات أوروبا من إمدادات الطاقة؟ تمتلك أفريقيا ما يقارب 7 % من احتياطات الغاز الطبيعي في العالم. غير أن الاستفادة من احتياطات أفريقيا تترافق مع الكثير من العقبات التي يجب التغلب عليها. وفي رأيي، يمكن تحديد سبع دول كموردين موقتين وطويلي الأجل لأوروبا في الوقت الحاضر «الجزائر ونيجيريا وليبيا ومصر والسنغال وأنغولا وموزمبيق».

على مدى عقود من الزمن، كانت السياسات الفوضوية وعدم الاستقرار في أفريقيا تمنع هذه القارة من احتلال مكانها كمورد عالمي بارز للطاقة. وهي حالة مستمرة دون حل على المدى المنظور. كما أن ضعف الأوضاع الأمنية ونقص البنية التحتية والحرب الأهلية المستمرة في ليبيا تمثل مشكلات عندما تفكر أوروبا بأفريقيا كمورِّد رئيسي يتوفر فيه أي شكل من أشكال الأمن.

وفي العام 2020، ذكرت التقارير أن إيطاليا تستورد نحو 62 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، مما يضعها في المرتبة الثانية كأكبر مستورد للغاز الطبيعي في أوروبا بعد ألمانيا. ووفقاً لمجموعة «ستاتستا» Statista، وهي مجموعة متخصصة في بيانات الأسواق، كانت أرقام التوريد الخاصة بموردي الغاز في إيطاليا في العام 2020 على النحو التالي:
روسيا - 28.5 مليار متر مكعب.
الجزائر - 15.1 مليار متر مكعب.
قطر - 6.9 مليار متر مكعب.
النرويج - 6.9 مليار متر مكعب.
ليبيا - 4.5 مليار متر مكعب.

وقد أمضت شركة «إيني» الرائدة في توريد الغاز في إيطاليا، الأشهر الأربعة الماضية في محاولة لتأمين عقود تحل محل روسيا بوصفها مورداً رئيسياً لها بمقدار 28.5 مليار متر مكعب. ففي أبريل 2022، وقعت إيطاليا عقداً مع الجزائر بمقدار 9 مليارات متر مكعب إضافية، وتلاه عقد مع جمهورية الكونغو بمقدار 4.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وبالنسبة إلى شركة «إيني» Eni، تعد أفريقيا ذات أهمية كبيرة، لا سيما ليبيا والجزائر ومصر. غير أن عدم الاستقرار في ليبيا والصراعات القبلية المستمرة فيها وانقساماتها السياسية كذلك، فضلاً عن بنيتها التحتية القديمة في مجاليْ النفط والغاز، التي تتطلب إصلاحات بمليارات الدولارات، أجبرت شركة «إيني» Eni على إيجاد مصادر أكثر موثوقية في سعيها لأن تكون مركز توزيع الغاز في أوروبا.

تعمل شركة «إيني» Eni والحكومة الإيطالية معاً في محاولة لتأمين الغاز الذي تحتاجه أوروبا. وفي الوقت الحاضر، يبدو أن الجزائر هي الخيار الأول. فلدى الجزائر خط أنابيب غاز يمتد من تونس إلى إيطاليا مباشرة، وهو خطأنابيب «ترانس ميد» TransMed، مما يجعلها أكبر مُصدر للغاز في أفريقيا بمقدار 55.2 مليار متر مكعب.

يتمتع خط أنابيب «ترانس ميد» TransMed بالقدرة على توريد 32 مليار متر مكعب سنوياً. أما الـ9 مليارات متر مكعب الإضافية من العقد الموقع في أبريل فتضع الجزائر في طاقتها التصديرية الكاملة، مما يخلق فرصاً للموردين الإقليميين الآخرين، مثل مصر، لتعويض النقص.

ووفقاً لـ«ستاتستا» Statista، تقوم ثلاثة خطوط أنابيب أفريقية كبرى بنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا حالياً، وهو ما يمثل نحو 21 % من الغاز المصدر إلى أوروبا. فخط أنابيب «ترانس ميد» TransMed المذكور أعلاه ينقل الغاز من الجزائر إلى إيطاليا (عبر تونس)، وخط أنابيب «ميد غاز» Medgaz يربط بين الجزائر وإسبانيا تحت البحر، أما خط أنابيب «غرين ستريم» Greenstream فيربط بين ليبيا وصقلية.

كما يمكن للنيجر ونيجيريا أن تلعبا دوراً مؤثراً على إمدادات الطاقة التي تحتاجها أوروبا، ولكن ذلك لن يحدث من دون التغلب على عدد كبير من العقبات. فنيجيريا لديها أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في أفريقيا، وهو 206 تريليونات قدم مكعبة.

وقد تم تشغيل خط أنابيب الغاز «نيغال» NIGAL في العام 2015 بغية نقل الغاز إلى أوروبا. يمتد خط الأنابيب هذا من نيجيريا إلى أوروبا عبر النيجر والجزائر، وتبلغ تكلفته 21 مليار دولار أميركي، ويبلغ طوله 4.100 كيلومتر، ولديه القدرة على توريد 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً.

ومع ذلك، واجه هذا المشروع مشاكل بسبب المشكلات السياسية بين الجزائر والنيجر، مما أدى إلى إغلاق المشروع حتى العام 2021 عندما توصل البلدان إلى اتفاق سياسي واستأنفا العمليات الحدودية. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك مشكلات أمنية أخرى دون حل. وحتى وقت قريب، حذرت ميليشيا حركة «تحرير دلتا النيجر» من أن مستقبل خط أنابيب «نيغال» NIGAL سيبقى موضع تساؤل إلى أن تتم تلبية مطالب رفاهية سكان المنطقة المحيطة.