Atwasat

مختنق البؤس والمراوحة

رافد علي الخميس 21 يوليو 2022, 12:45 مساء
رافد علي

لازالت أخبار الأزمة الليبية تفاجئ العالم بسبب تداعيات أحداثها بسبب أحوالها المتقلبة سريعاً بين أطرافها، مما يجعل وسم المرحلة الراهنة بـ«براغماتية الفوضى والاحتقان» من العناوين الأنسب للحالة المعاشة ليبياً، ولعل التقارب الأخير بين السيدين الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، والمشير حفتر بشرق البلاد من الأنباء التي حازت اهتماماً دولياً بسبب اتفاقهما على إزاحة السيد مصطفى صنع الله من منصبه، كرئيس لمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا.

حالة البراغماتية السياسية السائدة اليوم بالمشهد بتقلباتها بين الخصوم فيها، لا شك أنها وليدة النزعة الدولية الحريصة جداً، على ما يبدو، على عدم قيام صدام مسلح يتجاوز حالة وقف إطلاق النار المدعوم أميركياً، إذ لا يملك ساستنا الآن إلا المناورة في فوضى المواقف كمحاولة لتعزيز مواقعهم، لأجل فتح قنوات تمنحهم منفذاً أوسع لبسط أياديهم على موارد البلاد المالية. فالمشير بالشرق يسيطر على النفط، لكنه يفتقد السيطرة على موارده، بعكس الحال عند السيد الدبيبة، ولذا نجد إقفال النفط وموانئه قراراً مسيساً بالشرق، في حين يسيس الدبيبة بغرب البلاد منع صرف الأموال المخصصة للمنطقة الشرقية، وهذا ببساطته، كمعطى على الأرض، قد يفسر الاتفاق بين الرجلين كمحاولة منهما لأجل رفع الملامات أمام حالة احتقان الشارع لساسة مشهد متردي خدمياً، وكقيادة سياسية تتزعم المرحلة المحتقنة في كل شيء، إلا من استمرار شيوع الفساد والسقوط العام للبلاد، الأمر الذي دفع الشارع في الأسابيع الماضية للخروج مطالباً بحياة كريمة.

اتفاق حفتر- الدبيبة، ضمنياً أو صراحة، يضعهما أمام الجميع في حالة تنسيق أولى، أو تفاهم مبدئي لأجل وضع اليد على مؤسسة وطنية «سيادية» يتهمانها «بعدم الشفافية» في خطابهما العام.

مبعوث الأمم المتحدة الخاص سابقاً إلى ليبيا، السيد غسان سلامة، كان قد أشار في 18 نوفمبر 2018، إلى أن «الصراع الحالي بليبيا هو في أساسه نزاع من أجل السيطرة على موارد البلاد، والاستقرار سيكون بعيد المنال ما لم تتم مواجهة هذا الأمر». من هنا جاء ميلاد فكرة الإشراف على الموارد المالية الليبية، التي نادى بها مؤخراً نورلاند، المبعوث الأميركي الخاص لليبيا والسفير المعتمد لديها، ولاقت الفكرة ترحيباً دولياً، في حين واجهتها اعتراضات داخلياً، باعتبارها فكرة مبهمة تزيد من تقويض «سيادة ليبيا».

فكرة الإشراف على الموارد المالية الليبية لازالت فكرة في طور «المادة الخام»، فهي غير واضحة التفاصيل، والشفافية فيها لازلنا لا ندري كيفيتها وضمن أية معايير!، إلا أنه من خلال المتداول بعواصم أوروبية مختلفة، أن بريطانيا تحضر لهذه الطبخة بتفاصيلها، باعتبارها ممن يشرفون على المالية الليبية عبر علاقتها ودعمها السياسي والمهني للسيد الصديق الكبير، رئيس المصرف المركزي، منذ بروز اتفاق الصخيرات وتوابعه في دوامة الأزمة الليبية حتى الساعة، إضافة إلى أن بريطانيا هي المحتكر لوظيفة- Penholder - كاتب صياغة القرارات الدولية بمجلس الأمن المتعلقة بليبيا منذ فبراير 2011، الأمر الذي يفتح نوافذ التفكير في قضية الشفافية في هذا الموضوع تحديداً!، ومدى تسييسه للحالة الليبية مالياً ودولياً!.

السيد باشاغا، حليف حفتر، وكرئيس وزراء موازٍ للدبيبة، بدعم من برلمان طبرق، خرج عن صمته تجاه تطورات الأحداث المتعلقة بإزاحة صنع الله من مؤسسة النفط الليبية، إذ شدد في حديث له مع السيد نورلاند على ضرورة وضع «آليات واضحة ومنضبطة لإدارة عائدات النفط وفق القانون... (وبما يتماشى)... مع السيادة الليبية البحثة».

الإشكال الآن عن أي قانون يتحدث السيد باشاغا؟! أهو القانون الداخلي للبلاد والمفتقر لنصوص خاصة بحالة التدويل المطروحة أميركياً للإشراق على المال العام الليبي؟!. أم أنه يقصد القانون الدولي بأعرافه الدولية، ولذي نجد تطبيقاته القريبة زمنياً اليوم في قرارات برنامج النفط مقابل الغذاء، المتعلقة بالأزمة العراقية أيام حكم صدام حسين، وهو البرامج الدولي المفعم بالفساد والإفساد، وطال شخصيات ودول عربية ودولية على حد سواء، كما هو معروف وموثق على نطاق واسع قبل وبعد سقوط بغداد!!. لازلنا لا ندري!، و«تحب تفهم! ادوخ».

الأزمة الليبية، رغم بروز عنصر البراغماتية فيها بشكل لافت منذ ديسمبر الماضي كبديل للغة الدم، ستستمر في متاهتها المظلمة، خصوصاً، أن سيديّ المشهد القويين، لازالا يبحثان عن فرص تعزز نفوذهما بالداخل ضمن تحالفاتهما مع المتدخلين بالأزمة الليبية، وبعدما نجحا في إزاحة غضب الشارع واحتقانه، وتبنيهما إعادة المباشرة في خطابهما السياسي المعهود بأن «المسار السياسي» بهما هو المعول عليه بشخوصهما وخصوماتهما فيه؛ خصومة خالية من تقديم أي تنازلات عميقة وحقيقة للخروج بالبلاد وشعبها من مختنق البؤس والمراوحة.