Atwasat

عودة الملكية

رافد علي الخميس 14 يوليو 2022, 10:51 صباحا
رافد علي

يعزز أنصار عودة الملكية لليبيا نشاطهم بغرب البلاد في محاولة لطرحها كحل لأزمة البلاد السياسية التي تتوالى توابعها منذ فشل لقاءات التوافق الأخيرة في جنيف.

المثير للاهتمام في حراك عودة الملكية لليبيا أنه ليس مكوناً من زعماء قبائل فقط؛ بل بات من أعضائه شخصيات سياسية وحزبية ومثقفة ونواب برلمان. ويرى أنصار هذا التيار أن قوة العائلة السنوسية للم شمل البلاد تكمن في قدرتها على توحيد القبائل المتصارعة استناداً على سلطتها الناعمة كحركة دينية لها تاريخها النضالي بالبلاد، وخصوصاً بالشرق والجنوب.

الإشكال الحقيقي لعودة الملكية لليبيا، باعتقادي، يكمن في أن تيار الملكية لا يملك جيشاً سيساعدها على مد نفوذها المادي في بلد ممزق بين مليشيات ضليعة في الحياة السياسة، وجماعات أخرى مسلحة، وعصابات إجرام وكذلك مرتزقة أجانب أضحوا جميعاً معضلة أمنية بالبلاد قبل أن تكون عُقدة سياسية، كما أن المشير حفتر، «رجل شرق ليبيا القوي المدعوم مصرياً»، وأحد أطراف الصراع بالبلاد، لا يبدو متحمساً للملكية وعودتها، بدليل أن الملكيين لم يعقدوا اجتماعاً بشرق البلاد في نشاطهم الأخير، مما يجعل المشير حفتر بذلك يقترب سياسياً مع الجزائر، الدولة الجارة التي سبق وأن طرحت فكرة العودة لدستور الملكية العام 1951 كخطوة أولى نحو بناء الجمهورية الليبية. فلدولة الجزائر وجهة نظر تجاه العائلة السنوسية المنحدرة من أصول جزائرية.

من الإشكاليات أيضاً لفكرة عودة الملكية لليبيا كطرح سياسي تأتي من تيار لم يقدم بعد تصوراً كاملاً للدولة في ليبيا، أو انتشالها من براثن الفوضى وسطوة السلاح وحركاته والتدخلات الإقليمية، فالدستور الذي يحوزه التيار الملكي، ويجعله يبدو ظاهرياً تياراً سياسياً يتجاوز أرباب الصراع والاحتقان الحالي لغياب صيغة دستورية متفق عليها بينهم؛ يظل دستوراً يتجاوز عمره اليوم النصف قرن، وهو المدة التي يجري فيها بالدول المحترمة، كالدول الإسكندنافية، تشكيل لجان لدراسة نصوص الدستور للوقوف على مدى الحاجة اليوم لأي تعديلات أو مراجعات مطلوبة، وهذا بالتالي من شأنه نوعياً أن يقلل من أفضلية طرح الملكيين بدستور 1951 في سباقهم لحوز السلطة بالبلاد، مع ملاحظة أن فريقاً من الملكيين يطالب بتعديل بعض مواد ذات دستور الملكية لعام 1951، من دون أن يقدم رؤية رسمية لتلك المواد التي يقترح تعديلها، بحسب اعتقادي حتى الآن، وهو بالتالي شيء يشوبها من حيث التنظيم عموماً وكذلك من حيث مدى الجاهزية الإدارية.

أمام كل المطروح حالياً من التيار الملكي بشقيه عموماً، لا بد من التشديد على أن الاستفتاء على الملكية في ليبيا قد صار من ضرورات منطق الأشياء حرية ديمقراطية، لأن الملكية اليوم تقدم ذاتها كبديل، أو كعرض سياسي ضمن حالة سباق محموم على السلطة، خصوصاً وأن الملكية تأتي كبرنامج عمل للبلاد بعد غياب سياسي واجتماعي لعقود طويلة. زد على ذلك إن فكرة الدفع بأن مجرد عودة الملكية لليبيا بدستورها كفيلة باختراق الجمود المعاش، وتجاوز كل مآسي الراهن، تجعل من الملكية حالة انتهازية سياسية صرفة لافتكاك السلطة في مناورة سياسية للتشويش على خصومها بالساحة- خصوصاً سيف الإسلام القذافي القابع في الجنوب-، والسطو على مخيال الأجيال الجديدة في البلاد، والتي عاشت وما زالت تعيش واقعا مغايراً تماماً لليبيا القرن الماضي برمته، وتجهل لا طبيعة الملكيات والطبقية فيها وحسب، بل لا تعرف الكثير عن مرجعية السنوسية الدينية، ولا تدري عن أبعادها المذهبية الصوفية، ولا على تاريخها، وبشكل خاص خارج إقليم برقه بشكل قاطع. فالخطاب لعودة الملكية ما زال يتحدث على تاريخ النضال بنستلجي وطوباوية، فالاستفتاء يظل من دواعي الحكمة وحسن التدبير.

وجب علينا أن ندرك جيداً أن الملكية كانت قد انتزعت من أعماق الناس، وخصوصاً الأجيال التي لم تعش تحت لواء السنوسية كملكية، باستثناء برقة ربما، لحكم الطابع القبلي والروابط الاجتماعية الوطيدة هناك. فالملكية كتيار معارض لحكم سنوات القذافي لا أعتقد أن جيلي، على سبيل المثال، كان يعرفها كحركة معارضة ذات ثقل وحضور سياسي، فهي لم تختلف، باعتقادي المتواضع، عن أي تيار معارض آخر بالخارج. أعتقد أنه من الأفضل للتيار الملكي بليبيا ألا يطرح نفسه بطريقة التسويق الإعلامي كوصفة سحرية لكل مشاكل الوطن، دونما الانخراط الفعلي لحلحلة المشاكل المتراكمة كتيار معارض ومنافس على السلطة في ليبيا. بل الأجدر له، كتيار بالساحة الليبية اليوم، أن يثبت حيويته السياسية ونجاعته التكتيكية على معالجة القضايا العالقة على اتساع ليبيا، من خلال اتباعها مع منافسيها على السلطة نهج «حكومة الظل» كمعارضة ممتزجة بساسة وتكنوقراط ومتصلة بالناس بحيث نشعر بأنها، على الأقل، ليست «نزعة حكم» تطالب بعرش ليبيا، إنها تلامس هموم الناس بطرح الخطط والحلول، وأن تقدم البدائل السياسية كطرف في الحياة السياسية الليبية المعقدة. مما يرفع مصداقية الادعاء بانها الحل المطلوب، ويثبت للجميع جدارتها قبل أحقيتهما في السلطة والحكم.