Atwasat

حراك الشارع

رافد علي الخميس 07 يوليو 2022, 03:37 مساء
رافد علي

تحرك الشارع الليبي أخيراً ليعبر عن نفسه لساسته بأن الأحوال بالبلاد عامة قد فاقت حدود الصبر. المضحك المبكي، منذ لحظة حراك الجمعة الماضية، أن ساسة المشهد قد سارعوا تباعاً لصك شهادات براءتهم من حالة التردي المتفاقم بالبلاد بالتعبير عن ضم أصواتهم لصوت الاحتجاجات، الأمر الذى اعتبره العديد من المتابعين للوضع الليبي تهربا مفضوحا من مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية والقانونية من حالات الفشل العام والإرباك المعزز بانسداد الأفق السياسي، الذي زاد من مكابدة الناس للأوضاع المزرية، وانعدم فيها تقديم أية حلول وتحقيق أية انفراجات.

صندوق النقد الدولي فى تقريره الأخير لهذا العام، أقر بأن ارتفاع التضخم بليبيا يصل إلى 4%، وسط ارتفاع مشهود في اسعار السلع الأساسية لنسبة تصل إلى 75%، وتفاقم البطالة لمعدلات قياسية، وهو البلد الغني بالنفط والغاز الذي تسوده فوضى عارمة اكتسحتها موجات فساد شديدة البأس. ففى ظل هذه المؤشرات البائسة يظل ساستنا يحتكرون المشهد برمته بكل ما فيه من انعدام جدية لخلق مخارج للأزمة الليبية، وصنع حلول ضمن نهج تنازلات عميقة لتجاوز جميع المهالك المعاشة فى وطن لازال على باب الله.

الشارع الليبي الذي ظل لسنوات عديدة غائباً بكل المسميات عن الإفصاح عن رأيه عما يجري بالبلاد جعل منه عنصر ضغط خارج حسابات ساستنا والدول المتدخلة في شأننا، وكذلك ظل الشارع رقماً غائباً فى معالجات الإعلام الدولي عند تناوله للأزمة الليبية تقريراً وتحليلاً. فقبل أيام معدودة من حراك الجمعة الماضية نشرت الصحفية آريان لافريو تقريراً فى صحيفة لو تون Le Temps -- السويسرية، إعتبرت فيه "أن الوضع فى ليبيا على وشك الانفجار المسلح"، ولم تنقل فى تقريرها عن حالة غليان عام يدب بمفاصل الشارع على اتساع البلاد، وخصوصاً في المدن الكبرى كبنغازي وطرابلس ومصراتة وسبها. فالناس عندها كانت تمارس دورها كـ "رعية"، رغم اعتبارنا شعباً يعيش مرحلة انتقالية ضمن مشروع للتحول الديمقراطي وفق تعابير الأكاديميين بالغرب.

حراك الجمعة رغم تلويحه بالعصيان المدني المفتوح في وجه أرباب الانقسام وتعدد الحكومات وسوء الخدمات والدولة المفككة والمستباحة، سيظل حراكاً رخواً لانعدام قيادة موحدة ومتينة له، سواء كانت مختارة أو معينة، وهو ما قد يعرضه بسهولة لأن يقوض ويتلاعب به وبمطالبه، وامتصاص غضبه الصارخ، ليتم إدراجه ضمن حالة الفشل السياسي البيّن بالبلاد، والزج به في مسلسل الاحتقان والتردي. الحالة الرخوة فى حراك الناس صار لابد من ان تعزز بانضمام النقابات المهنية له، وخصوصاً المحامين والمعلمين باعتبارها النقابات الأوسع نطاقاً وأكثر فعالية، وبكونهما من النقابات التي سجلت لنفسها نداءات للشارع الليبي في أوقات سابقة، آخرها يتعلق بعدم إجراء الانتخابات بديسمبر العام الماضي، كما أن نقابة المحامين في طرابلس قد نالت تقديراً دولياً باعتمادها مدونة السلوك المهني رغم الظروف الصعبة التي تتربص بالبلاد، وهذا قد يحفز الحراك في خطوة ناضجة لأن يضع لبنات صياغة مشروع وطني حر ومستقل لازالت ليبيا بفوضاها وجمودها السياسي تفقده من سنوات طويلة ودموية.

لقد باتت الآن مؤسساتنا الحالية بليبيا تدرك أنها تواجه احتقان الشارع حيالها، خصوصاً وأنها هياكل وأجسام تعاني خللاً هيكلياً مزمناً في عموم الحال، ومعظمها تعمل خارج عمرها الزمني المفترض، ويعلم العالم جميعاً، أن قادتنا بتلك الهياكل والمؤسسات أنها أشخاص وأسماء غير قادرة على تحقيق إصلاحات عميقة وجذرية فيها، ويترسخ هذا الاعتقاد اليوم أمام الشعار المنادي بـ"سقوط كل الأجسام السياسية" بما فيها "البرلمان" ذاته، الذي تعرض لأعمال شغب وتخريب تعد عملاً مستهجنا ويدرج كجريمة اعتداء علي مرفق عام بحسب كل القوانين.

لقد أصبح من المهم على المواطن الليبي أن يعي دوره، وأن يخرج من صمته بشكل سلمي وحضاري، وأن يمارس حقه في الضغط على عبثية الأحوال بالبلاد، وليطالب أرباب البؤس بليبيا لأنه ضاق بالعيش في مراحل اللا معنى المسيسة منذ سنوات طويلة ومفلسة، وهو بحد ذاته رسالة شعبية مفتوحة لمن يرفض الحلول، ويعرقل التسويات في السياسة الليبية، وكذلك تعد إشارة واضحة للمتدخلين فى الشئون الليبية بتعقيد أزمتها، فأزمتنا لن يحلها سوانا بشكل جذري وحقيقي إذا ما نجحنا في خلق رأي عام ناجع بوعيه وحيوي بوطنيته، ولعلها تشكل نقطة نظام أيضاً لمجلس الأمن وفصله السابع القاضي بحماية المدنيين بأن يكف عن استخدام ليبيا كورقة تفاوضية في خصومة سياسية بين أعضائه بغرض تسجيل نقاط على بعضهم البعض في المحافل الدولية، كما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن بخصوص الوضعية في ليبيا من مماحكة إعلامية بين روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة.