Atwasat

سيرة مصاب برشح الكتابة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 05 يوليو 2022, 11:42 صباحا
أحمد الفيتوري

قضيت طفولتي ثم صباي، متعدد االمشارب والألعاب والهوايات، أظن من هناك كان أساس، أن ميولي كانت للعلوم البحتة كما للعلوم الإنسانية، وفي المدرسة والمكتبات استهوتني المعرفة. لكن كتبت دائما في الآداب والنقد، كتبت الشعر لكن النثر عندي حجر الأساس، فكان السرد، حتى أني أبدأ، أي موضوع أكتب، ساردا. وحين بدأت النشر، في الصحافة في السنة السادسة من عمري، استخدمت أسماء مستعارة خاصة النسائية، ما منحني حرية تنوع الكتابة وجراءة الآراء، ما استفدت من تلكم البداية.

ولهذا كتبت الأنواع، وتشكلت الروح من تلك الحرية، حتى أني لا أفضل الشعر على النثر، المسرح على الرواية، النقد الأدبي على الفلسفة، التاريخ على العلم، الرياضيات على الموسيقى. فكانت التجربة الحرة، ما تأسست على اطلاع متنوع بحب ودون تحيز. وفي البدء وفي المدرسة كتبت المسرح، كما كتبت نثريات كما شذرات فكرية، وكنت عضو فرقة مسرحية، وأعمل في الصحافة، وأنا طالب.

أولى رواياتي كنت في العقد الرابع حين كتبتها، وهي عن الطفولة والشيخوخة، في زمان ومكان واقعيين محددين، ولكن لاعتبار عن شخصية رئيسة هو طفل، كانت الأسطورة والخرافة من لزوم ما يلزم، أما الجدة الساردة فمسرودها كما لو كان التاريخ. وعلى ذلك فإن السجن في رواية "ألف داحس وليلة غبراء" هو مكان شباب الطفل، فثمة وشائج بين طفل "سريب" وشاب "داحس"، ففي الأولى العلاقة الثنائية بين الطفل والجدة، تكشف أهمية الجدة في الطفولة، وفي الثانية "داحس" العلاقة بين الشاب الابن والأب، والزمن في سلسلة تصاعدية، فيما الواقع في الثانية يبدو كما أسطورة. من هنا "سريب" الجدة، و"سيرة بني غازي" الأم، فيما "داحس" الحفيدة.

إن "سيرة بني غازي"، صدر في طبعته الأولى في التسعينيات، عن المجلس العام للثقافة/ بنغازي، ثم الطبعة الثانية- دار ميريت- القاهرة – 2011م. وهو سيرة مدينة، رواية سيروية تسجيلية. أردت أن أكتبها كرواية خارج السياق، لهذا فيها من فنون الشعروالأساطير، والمسرح والسينما والفن التشكيلي، والصحافة والتاريخ والمذكرات والرواية الشعبية، تمتزج بالمكان والزمان، زمان الأسطورة والواقع، ومكان الجغرافيا والتاريخ حينما يتداخلان. وهي كتاب في امتزاج المخيلة بالمقروء من الواقع والكتب والرواية الشفهية، ولهذا تتضمن مقاطع شعرية نثرية لكتاب آخرين، كما تحتوي أساطير، إضافة إلى يومياتي في المدينة بنغازي، حيث لكل مدينة تفرد غني بالتجربة والمعارف. من هذا "سيرة بني غازي" رواية مكثفة كقصيدة نثرية، ونثرية سرد كما "سيرة بني هلال" والسير الشعبية. وهي تجربتي في الحياة والسجن والحرية من خلال علاقة بالمدينة مسقط الرأس، مدينة الحرب والسلام، التي عاشت الحرب الكبرى الثانية كما مدينة صغيرة عاثت فيها جيوش كبرى. ومن يطالع "سيرة بني غازي" متأنيا ويفككها، سيطالع التاريخ البشري في مستويات عدة، وإن صغرت فدلالتها عميقة.

اسم كتاب ما كما اسمُك واسمي، دال وغير دال، فالاسم كثيرا ما يكون من جنس حامله، لكن في أحيان لا يدل على جنس. والتناص فيما يخص "سيرة بني غازي" من حيث الاسم يؤشر إلى "سيرة بني هلال"، كما يمكن أن يؤشر إلى دلالة اصطلاح السيرة في اللغة العربية، لكن النص كما أتصور مفارق لهذه الدلالة اللغوية، فلقد أردت، ولا أعرف مدى نجاحي، أن أكتب نصا لا جنس له، نصا مفتوحا عند البعض، خاصة وأني لم أكتب على الغلاف تخصيصا مثل مصطلح "رواية" أو غيرها. ولهذا أعتقد أن "سيرة بني غازي" هي نص "لكل قاريء قراءة"، هكذا من عنوانها وفي متنها وحتى ركنها في الذاكرة أو على أرفف المكتبة، عندما يكون قاريء يبحث عن تصورات مسبقة.