Atwasat

الهنداوي وأصحاب المغيب

محمد عقيلة العمامي الإثنين 04 يوليو 2022, 09:59 صباحا
محمد عقيلة العمامي

من بنغازي، من ذلك الشارع الذي يربط سوق الحشيش، عبر شارع سي على الوحيشي مرورًا بسوق الظلام، عبر شارع سيدي سالم ثم شارع سيدي سعيد نحو (سطاحات) بحر الشابي، عند (بئر الجمل) تمامًا، هكذا انطلقت مسيرة الكاتب سالم الهنداوي نحو جزيرة قبرص، فلا تلك الجزيرة، وبحر(الروشه) ببيروت، ولا برج (بيزا) ولا (فيا فينتو) ولا (الشانزليزيه) ولا مقاهي القاهرة والإسكندرية، ودمشق ولا أسواقهما من (زنقة الستات) و(الموسكي) إلى (سوق الحامدية). ولا «الأماكن كلها» في عواصم العالم كافة، استطاعت أن تنسيه بنغازي، قبل البيضاء والجيل الأخضر. شب ودرس في بنغازي، وخطط لإقامته وتقاعده في البيضاء، ولم تغب عنه ذكريات رفاقه وأصدقائه في طرابلس، قبل أصدقائه من شعراء وكتاب مبدعين باتساع العالم العربي. هذا هو سالم الهنداوي.

مثلما اعترفت لكم من قبل أن عددًا من إهداءات كتب وصلتني من أصدقائي الكتاب الليبيين، ظلت في مكتبتي أتحين الوقت لقراءتها، فكتبت لكم عن (دواميس) المفتي، ثم كتاب (هؤلاء) أعني أولئك الذين تحدث عنهم الراحل العزيز الأستاذ عبد الرسول العريبي.

منذ يومين التقطت كتاب (أصحاب المغيب) وهو مجموعة مقالات نشرها الكاتب الأديب سالم الهنداوي، ما بين سنة 2002 و2015 وفي هذه المجموعة يتناول عواصم الدنيا التي عاشها وعرفها من خلال أصدقائه، فالهنداوي يندر ألا يراه المرء من دون رفاق! لا أذكر أنني قابلته بمفرده، في الغالب كانت لقاءاتنا في معارض الكتب، أو في مقاهي بعض العواصم العربية، وذات مرة في مقهى بساحة (سنداغما) أثينا ودائمًا مع لفيف من أصدقائه الكتاب. يخيل إليَّ أنه يتنفس في الأماكن العامة من خلال رفاقه!

الكتاب، الذي أشرت إليه من منشورات مجلة المُستقل، التي لم تعش كثيرًا، ولكن ما قامت به من إصدارات للكتاب الليبيين كانت لافتة للنظر، وأغلبها لكتاب جيدين، ولعل ذلك بسبب إمكانات رئاسة تحريرها. مقالات كتاب (أصحاب المغيب) تتحدث عن ذكريات الهندواي ولقاءاته، مع أصدقائه من كتاب وشعراء، عرب، ملتزمين ناضجين لديهم ما يكتبون وما يصرحون به . وكانت هذه اللقاءات في عدد كبير من عواصم العالم، يشرب قهوة العشية مع محمد الماغوط في دمشق وعبد الرحمن بسيسو، والشاعر والروائي سليم بركات، في بيروت ثم ينطلق عبر مقال آخر إلى المغرب، ويلتقي بمعارفه من الكتاب المغاربة في طنجة، والخنيفره، ومراكش، ثم يعود طائرا إلى صديقه عبدالعزيز المقالح في صنعاء ومنها يعود إلى ليماسول ويطير منها إلى مقهى (الويمبي) بشارع الحمراء في بيروت رفقة بول شاوول.

وبتواصل مواضيع كتاب (أصحاب المغيب) يحس القاريء بمسميات وجع الفراق والغياب والرحيل، وبفرح اللقاء ودفء العناق وببهجة اللقاء، ويقول في مقالته البدايات: «كل شيء تركته خلفي: العواصم، الذكريات، الأصدقاء الذين رحلوا، والذين يقبعون في كوخهم البحري يرمون بالشباك ويكملون الحكايات التي مر عليها أكثر من شتاء. والأمهات الطيبات اللائي يحفظن وجه شارعنا القديم، ينتظرن قدومهم بالسمك، أو بأخبار الطقس، أو بأخبار الغرقى..» هكذا يستمر، في سرد شائق، على الرغم من أنه يعرف أنه من بعد أن يعود من قبرص ويلتقي بتلك الوجوه على رصيف الميناء سوف يعاتبونه: «لِم ترك البحر الشابي؟».

كتابه هذا «أصحاب المغيب» هو آخر إصداراته، أما أولى مجموعاته القصصية فهي: (الطاحونة) 1985، وأول رواياته: (الطاحونة) 1985، وبين أول عمل وآخر أصدر ما مجموعة 14 كتابًا، الكثير منها نفذه من بدء رحلته من (جاليري) صديقه أحمد الأتاسي إلى لوحات سلفادور دالي، في باريس، وعبر أضوائها، وضباب لندن، وشمس أثينا تستمر ذكرياته الشائقة على طول مسيرته وغربته في الغياب والحضور.

الهنداوي ولد بمدينة بنغازي في ليبيا العام 1955 عصامي في تعليمه وحياته، باشر كتاباته، منذ مطلع السبعينيات، باسم مستعار هو (سالم زنقي) ولما عرف أن (عقل الكاتب في قلمه) أعلن اسمه الحقيقي: الأديب القاص والروائي سالم الهنداوي، وما زال بين أنامله قلم لم يجف مِدادُه.