كل شيء في الحياة قابل للنسيان نسبيا.. فالأحداث الأليمة يطويها الزمن، وعلى أفضل تقدير تبقى باهتة فى خلفية شاشة الذاكرة.. أناس أحببتهم وغادروا.. أحدهم كذب عليك وآخر خدعك بمعسول الكلام ونصب عليك.. حادث سير مؤلم.. إنسان نقل عنك ما لم تقله وتسبب في مشاكل لك.. كل شيء قابل للنسيان.. ولولا النسيان لكانت الحياة لا تطاق.

النسيان أحيانا يكون إحدى وسائل النفس الدفاعية لقلب صفحة من كتاب العمر.. ولكن قد لا يبدو الأمر سهلاً، فما دمت لا تستطيع محوها ستظل تعثر عليها بصورة باهتة بين كل فصل من فصول حياتك.

والنسيان قد يكون مفيدا.. فمع مرورالوقت ينسى الألم ويطفأ الانتقام، ويتلاشى الغضب وتخفت الكراهية. فلولا النسيان لمات الإنسان من كثرة الهموم.. قرأت قولا لعبد الرحمن منيف مفاده أن (النسيان أسهل طريقة للحياة).
ويقول جبران خليل جبران: (النسيان شكل من أشكال الحرية).

النسيان قد يكون إراديا اولا إراديا، وعندما يقول نجيب محفوظ "آفة حارتنا النسيان".. فذلك وصف مختصر بليغ لطريقة حياة ونمط تفكير لمجتمع يعيش معتمدا على نسيان آلامه وكوارثه لتتكرر مرارا وتكرارا كحلقة مفرغة لا نهاية لها.

النسيان ليس مشكلة ترتبط بكبار السن أو الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر فقط، فداء الزهايمر أمر مختلف تماما، فهو نسيان لا إرادي وهواضطراب عصبي متفاقم بسبب ضمور في خلايا المخ السليمة مما يؤدي إلى تراجع مستمر في الذاكرة وفي القدرات العقلية والذهنية.. وهو السبب الأكثر شيوعًا للخَرَف؛ وهو حالة تتضمن انخفاضًا مستمرًّا في القدرة على التفكير وفي المهارات السلوكية والاجتماعية؛ ما يؤثر سلبًا في قدرة الشخص على العمل بشكل مستقل.

الحديث هنا عن النسيان المؤقت وليس المطلق كما هو الحال في مرض الزهايمر.. النسيان المؤقت مثل أن تنسى أين وضعت هاتفك النقال أو مفاتيح سيارتك وما إلى ذلك.. هذا النسيان الذي أصبح ظاهرة شائعة حتى لمن لم تتعدَّ أعمارهم الاربعين.. وهنا أذكر أن أحد الأصدقاء سألني عن الأسباب فقلت له إن الأسباب كثيرة ولا أظن أنني قادر على حصرها جميعا، ولكن قرأت أن منها قلة النوم، والقلق، وقصور في الغدة الدرقية، وسن اليأس عند النساء، والآثار الجانبية لبعض الأدوية، وكذلك النظام الغذائي غير الصحي (أي نقص الحديد وفيتامين د وفيتامين B12) وتأثير ذلك على الذاكرة والقدرة على الحفظ واسترجاع المعلومات.. لذا فإن السر الأول لتنشيط وتقوية الذاكرة هو اتباع نظام غذائي صحي وسليم. وبالمختصر يفترض أن يحتوي على (السمك والجزر والطماطم والتوت والشاي الأخضر واللوز وشرب الكثير من الماء).

عندما ذكرت تلك الوصفة سالني أحد الأصدقاء مازحا "هذا إذا اردت تقوية الذاكرة؛ ما العمل إذا اردت المضي قدما في طريق النسيان؟" فقلت له عليك بتناول (الدجاج الذى يتغذى على علف الهرمونات و"البطيخ" المعالج بالمبيدات الحشرية)!
والمهم يا صديقي أن لا تتذكر حقوقك وتنسى واجباتك.