Atwasat

قمْ للمعلم (شيء من سيرتي)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 21 يونيو 2022, 10:22 صباحا
أحمد الفيتوري

الجدة هي المدرسة العليا إذا كانت الأم مدرسة، الكثير منا يذكر مرثية "المتنبي" لجدته، عَلّه بهذا، كان يشير إلى معلمة أولى، من ساهمت في إنماء وتثقيف مخياله، بحكاياتها وخراريفها وحواديثها، التي نبعها الخيال ومحتواها الثقافة الشعبية، الزاخرة بعلوم العصر (الزمان والمكان).

وجدتي من اسمها "الزائرة"، من مدينة غريان بالجبل الغربي، ثم انتقلت إلى بنغازي بشرق البلاد، ولدت وعاشت في العهد الإيطالي، ثم واكبت مرحلة الإدارة الانجليزية، فالعهد الملكي. كانت طباخة ماهرة، فخدمت في بيوت طبقة عليا، مثل المدير العام للبنك الوطني، ومن هذا كانت مثقفة شفهية، ذات تجربة غنية.

الظروف الاجتماعية والاقتصادية متحركة ومتغيرة، خاصة خلال القرن العشرين قرن القرون، ثم السياسة، فأنا من أبناء دولة الاستقلال، حيث ليبيا استقلت في 24 ديسمبر 1951م، ولهذا كنت تلميذا في دولة المملكة التي كان فيها التعليم إلزاميا.

أول فرد في أسرتي يفك الخط، أي يمحو أميته، كان أبي الأمي حريصا على التعليم، والدولة فقيرة الموارد حريصة أيضا، أما المدرسون فقد اعتبروا أنفسهم رواد نهضة، نحن فيها الجيل الصاعد.

من هذا في المدرسة الإبتدائية، وجدت حرص المعلمين، منهم "إبراهيم السحاتي"، من صار في ما بعد نقيب المعلمين الليبيين، ثم نقيب المعلمين العرب.

هذا المعلم "إبراهيم السحاتي"، جعلني رئيسا لتحرير جريدة حائطية، في السنة الخامسة الابتدائية، أذكر اسمها "الشروق"، وكنت أكتب فيها بمساعدة معلمي ومراجعته، هو المعلم القومي العربي المعارض في النظام الملكي، من ساهم في تأسيس نقابة المعلمين.

ثم من جانب آخر أبي التاجر، من كنت طفلا أذهب فجرا معه لدكانه لمساعدته، حيث كنت الابن الأول له والذكر. وهو الأمي كان محبا للعلم، لهذا يمنحني القروش لشراء مجلات الأطفال، كمجلة "سمير" المصرية و"سوبرمان" اللبنانية، و"الليبي الصغير" التي كانت ملحق مجلة "ليبيا الحديثة".

وأيضا لي زملاء في المدرسة، مثلي شغوفون بالقراءة ثم الكتابة، مثل من كتب الشعر "محمود العرفي"، والمخرج المسرحي "داوود الحوتي".

أما خير معين لنا فإنه ناظر المدرسة "فتحي الجدي"، من تلقي في الجامعة الأمريكية ببيروت دروسا في الإدارة المدرسية، بالإضافة لذلك مدرس اللغة العربية اللبناني "عيسى التهامي". هكذا تضافرت عوامل عدة منها الفقر، ما كان يُوجب أن نتميز بالعلم والثقافة.

الثقافة هي أس الحياة والنهضة، أوهكذا اعتقد المثقفون العرب منذ القرن التاسع عشر، إنها الطريقة وطريق النهضة. ضمن هذا الاعتقاد نشأت فكانت الثقافة التربية، وكان من علموني، هم من تربوا على المعلمين الأوائل، المحتارين بين الأصالة والمعاصرة.

لكن هذا الظن، في الثقافة ما كان يعاني من انفصام شخصية، صبغ في دولة الاستقلال والتحرير، بأنه الطريقة الوحيدة الممكنة للمشاركة والتعبير عن الذات، بعد قامت هذه الدولة، بتأميم السياسة فمنعت الإحزاب وما في حكمها. لهذا الجانب الموضوعي، كانت ميولي الذاتية ثقافية، فنجوم المرحلة، غير الساسة ولاعبي الكرة وأم كلثوم، الكُتاب، كان الكاتب "الصادق النيهوم"، بالنسبة لجيلي، نجم النجوم.

المدرسة أول معلم مسرحي، حتى إنه كان هناك مهرجانات مسرحية مدرسية، ومن هذا فإن صديقي الراحل "إدريس المسماري"، مثّل طفلا في مسرحية لـ "يوسف وهبي"، من جاء بنغازي بفرقته، ولم يحضر طفلا طبعا. كذلك كان صديقي "داوود الحوتي" تلميذا للممثل المصري عمر الحريري، من كان يعمل بفرقة "المسرح الشعبي" ببنغازي. وهكذا كنت أفضل "توفيق الحكيم" عن الكتاب المصريين الأخرين، فقرأتهُ صبيا.

في مقتبل العمر، كان أمام جيلي طريقان: الفن والرياضة. وكنت أحسب أني من المثقفين، وكتاب المسرح، حيث كتبت عدة مسرحيات، مثل مسرحية "شارع بوخمسين" التي صُورت وقدمت تلفزيونيا.

وحينها في مطلع السبعينات بات المسرح الطليعة، ومكنة تأسيس فرقة مسرحية متوفر، حتى أمسى كما موضة، فشاركت في تأسيس فرقة "فنون الشباب" بالحي الشعبي "المحيشي" ولم تنجح. لكن المشاركة، في تأسيس فرقة "المسرح الحديث" كان ناجحا، فمن أهداف الفرقة الرئيسة، تقديم مسرح ليبي تأليفا وإخراجا وتمثيلا.

وكان ممن ساهموا في التأسيس الفنان التشكيلي والمخرج الراحل "على يوجناح"، والكاتب الراحل "عبد الله على الضراط" والممثل "محمد بن حريز" والمخرجان التلفزيونيان "محمود الزردومي" و"على محمد المصراتي".

الأم مدرسة والجدة المعلمة، لكن الأب صاحب المدرسة، لذا فإن أبي الأمي من ساهم في أن تجذبني الثقافة وأن أهيم بها. لكن في كل الوقت كان المعلم النبراس، وقد جعل الكثير من معلمي المعرفة الطريقة والطريق إليها سهلا.