Atwasat

عندما تصبح المقالة مهنة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 20 يونيو 2022, 02:09 مساء
محمد عقيلة العمامي

بعض المذاهب الدينية المسيحية ترى أن لكل منها سفرا أنجيلا ترى أنه حاميها! وتلتجيء إليه كلما ضاق بها الحال. والأمر ينسحب أيضا على البشر كافة؛ يعني غالبا، أو قد نقول دائما، يلتجيء تفكيره نحوه إن صادفته معضلة ما. الشيخ العلامة المالكي الشيخ حمد بن زروق، الذي ولد بالمغرب، ثم انتقل إلى مصر وهناك تَعلم وعلم، ثم استقر في مصراتة وأسس زاويته الشهيرة بها وأصبحت منارة لعلوم الدين واللغة وتوفي بها، ودفن بها سنة 1494.

كان له قول شهير، ظل متداولا حتى الآن: «عليكم إن ضاق الحال (أطرن) عزيز يأتيكم فرج»، وكلمة (أطرن) لهجة ليبية بمعنى اذكروا . فالعزيز هو الله.

ومن منا لا يلجأ إلى قوة أكبر منه، عندما يضيق به الحال؟ وهل من قوة تعلو على الخالق جل شأنه؟ وهو الذي جعلنا خلفاءه في الأرض، ومع ذلك كثيرا ما تمر علينا أمور نعجز عن فهمها، والثقافة الشعبية هي التي تهون علينا الأمر، فثمة أغنية (علم) متداولة ليبية تقول: «أيجيك أمر تُوحل فيه حتى وأنت قارئ يا علم» وتعني يصادف المرء المتعلم، أو المثقف في حياته أمورا محيرة لا يجد لها حلولا!

أعترف أن مقدمة موضوعي هذا طويلة! فكل ما كان في ذهني هو أن أقول إن هناك نوعين من المقالات (اليومية، الأسبوعية، أو حتي الشهرية)؛ إما أن تكون ملزمة التنفيذ في موعدها، لأنها مدفوع من أجلها مقابل، بمعنى أنها مهنة تلزم الكاتب بتسليم مقالة بمدة يتفق عليها قبل النشر، أو لا يكون هناك التزام بالموعد. وفي تقديري أن عدم الالتزام بالموعد في الغالب هو ما ينتج عنه كتابات جادة للغاية، وهي في الغالب أطول عمرا لأن الكاتب لا تكون نفسيته مناسبة ليكتب إبداعا مرتبطا بتاريخ وموعد محدد. والإبداع هو خلق فكرة، أو تصور، وهو تحت ضغط الالتزام بالموعد، أما المقالة التي تلزم الكاتب أسبوعيا، هي في الغالب فكرة، أو رأي.

وأعترف، أيضا، أنني مأخوذ بقدرة عدد من كتاب الأعمدة اليومية المنتظمة في الجرائد اليومية، وعلى الرغم من كونها في الغالب مضغوطة وقليلة الأسطر، إلا أنها تظل عملا صعبا للغاية. وفي كل الأحوال تحتاج إلى اطلاع وقراءة دائمة، فهي الزاد الذي يُمكّن الكاتب من الكتابة اليومية، أو حتى الأسبوعية.

وبسبب ذلك لا بد من القراءة، سواء أكانت جرائد، أو مجلات، أو كتبا، أو حتى إعلانات! فكاتب العمود اليومي أو المقال الأسبوعي هو في الواقع صياد.. صياد حقيقي، فكل ما يحتاجه الفكرة، التي قد يجدها في كلمة، أو جملة، أو رأي، بل وأحيانا كلمة واحدة.

فعلى سبيل المثال في الكتاب الذي أشرت إليه في مقال الأسبوع الماضي (عن «السراء والضراء» و«الكركم »)، اختصرت فِكرا من نصائح اختتم بها الكاتب مواضيعه، وجميعها، في تقديري، تعد رؤوسا لمواضيع نادرا ما تتناولها ثقافتنا الليبية، وكل موضوع يحتاج إلى مقالة قائمة بذاتها، وقد لا تفي الموضوع حقه وهي كالتالي:

- ينصح بأن يكون الزوج والزوجة أصدقاء، فالصديق هو ما تمنحه ثقتك، وتأتمنه، فيحبك، ويصغى إليك، فالمرء لا ينتقد صديقه وإنما ينصحه بود ومحبة.

- ينصح أن يوجه الزوجان حديثهما نحو الرفق والمسؤولية، وتعزيز وتثمين أي سلوك صائب، بعيدا عن محاولات تحسين أدب المائدة، على سبيل المثال.

- إقناع من لم يعد طفلا، وبالتأكيد الزوج أو الزوجة كذلك، باللين والرفق والحث (بشويش) وبالتدريج، عبر ابتسامات ناعمة بعيدا عن شز النظر!

- تعزيز ما قد تراه حسنا في شخصية الرفيق، أو الرفيقة، فتثمن شجاعته، أو استعداده الدائم للمساعدة، والتعاطف مع من يستحقه.

- المجاهرة بالعواطف. فالكثيرون يتنفسون عطفا وحنانا ومحبة ولكنهم لم يعتادوا المجاهرة بها، والحقيقة مجتمعنا كذلك، فأعلب الذين عاشوا معنا انتبهوا إلى خجل بعضنا أمام البعض، فالرقة وإبداء المحبة، وترديد كلامها أشياء باتت معدومة للأسف.

- إن الخشية من تبدل الرفيق، أو ما قد يتخيله أحد منهم قد يكون فعلا مشكلة حقيقية، فمناحي الحياة ومشاكلها تؤثر في سلوك الرفيق، ولعل من أبرز ما يتخيله أحدهم تغيرا، ويصل حد الصدام هو إحساس أحد الزوجين أن الآخر يترفع عليه، قد يكون بسبب مزاج الزوجة إن كانت عاملة، أو نجاح الزوج وكثرة مشاغلة والتزاماته، التي قد تنسيه عادات طيبة ما كان لينساها لولا حجم مشاغله وهمومه التي يريد إبعادها عن بيته حتى لا تتأثر زوجته.

وصدقوني لو اطلعتم على مثل هذه المواضيع السهلة الممتنعة سوف تكتشفون الكثير، بل وتستغربون أن تحدث في بيوتكم وتتسبب في مشاكل ولو انتبه المرء إلى أسبابها لما حدثت.