Atwasat

صناعة النكد لا تخلق البسمة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 06 يونيو 2022, 10:04 صباحا
محمد عقيلة العمامي

المقالات الغربية، أعني الأجنبية، سواء تلك الأوروبية أو الأميركية يومية كانت، أم أسبوعية، التي تتناول المواضيع الحياتية الإنسانية المعاشة يوميًا؛ اجتماعية كانت أم تربوية، تكون في مجملها أكثر بكثير من المواضيع السياسية بل وحتى الاقتصادية.

مواضيعها واهتمامات كتابها تختلف تمامًا عن اهتمامات كتاب مواضيعنا الأسبوعية، أو مواضيع أعمدة جرائدنا ومجلاتنا العربية بصفة عامة والليبية بصفة خاصة. فمن يذكر أنه قرأ طوال العام الماضي موضوعًا عن أهمية الحيوانات الأليفة، أو الزهور، في بيوتنا؟ أو كيف يجب أن تكون العلاقة المثالية ما بين الزوج وزوجته، أو ما تضفيه أحاديث شاهي العشية من ألفة ما بين أفراد الأسرة الواحدة، أو أهمية الرحلات الترفيهية للبحر أو لجنى القعمول في وقته!

قد تكون مثل هذه المواضيع معدومة تمامًا في صحافتنا اليومية، أو الأسبوعية أو حتى الفصلية. لا شيء سوى مواضيع جادة لا تنفذ عبرها لا بهجة ولا بسمة، مواضيع تعادي في الغالب الدعابة والمرح. جديتها تصل حد الحزن والبكاء، ناهيك عن (التكشير) و(التفنيص) الذي تخلقه قراءتها.

دعونا لا نبتعد كثيرًا، ما علينا سوى تصفح عنوان مقالات كتّاب الرأي في أية جريدة أو بوابة ليبية أو عربية، وسوف تنتبهون إلى ما أقصده.

ودعوني أذكركم بمجلة (المختار)، التي صدر العدد الأول منها وهي مجلة ( Readers Digest ) الأميركية في شهر فبراير 1922 وصدرت ترجمتها العربية في القاهرة في سبتمبر 1943 وهي تترجم الآن إلى أكثر من 70 لغة.

أنا متابع شبه منتظم لهذه المجلة منذ أن عرفتها في منتصف ستينيات القرن الماضي، قد أغيب فترة عنها ولكنني لا أتركها إن وجدتها. الآن أصبحت تصدر بانتظام من خلال النشر الإلكتروني باللغة الإنجليزية، ولكنني لا أدري إن كانت لها الآن ترجمات بلغات أخرى. في تقديري أن سر نجاح هذه المجلة العالمية هو طبيعة مواضيعها.

ومنذ ليلتين، أو ثلاث، جفاني النوم، وجدتني أمام أرفف مكتبتي، قابلتني أعداد قديمة من مجلة الهلال، وبينها وجدت عددًا من المختار، يعود تاريخه إلى سبتمبر 1982 التقطه، بفهرس مواضيعه مقال عنوانه: 5 براهين على الوقوع في الحب، يقرر الكاتب الذي يصف نفسه بأنه خبير في شؤون الحياة الزوجية، أنه بإمكان قياس قوة العلاقة وصلاح الرفيق لرفيقته، وهو بالطبع يقصد الزوج وزوجته باختبار بسيط لقياس قوة هذه العلاقة. ويلخصها في خمسة براهين:

1-الحرية حق للطرفين في تأسيس صداقات خاصة خالية من الشوائب، تؤسس على كلمات المفكر اللبناني جبران خليل جبران: «أن يترك كل طرف للآخر فسحات لتكوينها مع الآخرين في حياتهما المشتركة!».

2- نكران الذات، كأن يأتي الزوج إلى زوجته ويقول لها سوف آخذ الطفلين إلى فسحة وبإمكانها أن تصلح من حالها وتتزين، وتلحق بهما في مكان تفضله لتشاركهما متعة تناول مشروبات أو ساندويتشات! أو أن تسأله زوجته إن كان يناسبه أن يلحق بها في منتزه قريب من عمله فلقد اشتاقت إلى قضاء وقت معه بعيدًا عن قيود البيت ومهامه!.

 3- الاعتذار عن سلوك ما أو عبارة أزعجت أحدهما.

 4- المودة والتعاطف قبل كل متطلبات الحياة الزوجية!.

5- دخلهما والاتفاق على إنفاقه بما يسعد الطرفين. فهل قرأنا موضوعًا كهذا في صحافتنا اليومية أو مجلاتنا الأسبوعبة أو الشهرية؟

أما الموضوع الثاني في عدد المجلة نفسها فيحدثنا عن حكاية قصة الطفلة الكرتونية (هايدي) التي قرأها وشاهد رسوماتها العالم كلة وكيف أن بلدة مؤلفة قصة هذه الشخصية الطفولية أصبحت مزارًا لجنسيات العالم كله، فما زال حتى الآن الملايين من اليابانيين الذي تابعوا مسلسل هايدي الكرتوني يتوافدون سنويًا إلى سويسرا وينطلقون مباشرة إلى قرية قريبة من زيورخ ليشاهدوا المكان والأجواء التي صورتها كاتبة حكاية (هايدي).

وحليب الماعز وهواء جبال الألب مثلما كانت تصورها مبدعة شخصية هذه الفتاة مجعدة الشعر التي تبعث السعادة أينما حلت. لم يخطر ببال الكاتبة (جوهانا سبيري) أن بشرًا من مختلف جنسيات العالم سوف يتوافدون لرؤية المكان الذي عاشت فيه هايدي مع جدها والراعي بيتر، ولما عرض المسلسل سنة 1976 في أوروبا أقبل الناس على شراء قصصها، ودمى وقمصان شخصيات مزدانة بصور هايدي، توازي ارتفاع جبال الألب.

وما زلت أذكر موضوعا قرأته عن سيدة أعمال، كانت الحياة قد عاملتها بإحسان فنجحت في عملها، وكانت تشعر دائمًا أنها مقصرة في سلوك ما، وعندما اشتكت إلى صديق قريب إليها يعمل معها من ذلك الإحساس، اقترح عليها أن تصلي لله، ولأنها لا تعرف كيف تصلي؟بسط لها الأمر وأخبرها أن تجلس في الصباح الباكر وتتأمل من نافذتها انبلاج الفجر، وبدء الحياة بزقزقة العصافير، والنسيم الهادئ، وما عليها إلاّ أن تنصت بتأمل وتشكر الله على تمكينه لها من تأمل هذا العالم، والإحساس بجماله.

تقول أنها استمرت طوال حياتها مواظبة على تلك الساعة الصباحية التي تتجه فيها إلى الله وتشكره على كرمه ونعمه. وهل أقول لكم أنني جربت مثل هذه الحالة عندما كانت الفرص تواتيني في صحوي مبكرًا على شاطيء بحر، أي بحر! وكان الرضا والامتنان لخالق البحر وهوائه ونسائمه يغمرني حد الهناء والسعادة! فهل ثمة علاقة ما بين البهجة وأعمدة ومواضيع الصحف اليومية؟