Atwasat

ظاهرة الشتم!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 05 يونيو 2022, 12:28 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

لا شيء خارج التاريخ. وعندما نقول التاريخ فإننا نعني مسارا تطوريا، ليس خطيا بالضرورة. لكنه يمضي قدما. فللكون تاريخ، وللحياة تاريخ، وللضمير والعقل والوعي تاريخ. كما إنه للأديان والحضارات وللعلوم والزراعة والصناعة والأفكارتاريخ. ونتحدث عن تاريخ المرض لدى الأشخاص.
والشتائم والسباب لا تستثنى من هذا القانون. إذ لها، هي أيضا، تاريخ يخصها!

تاريخ الشتائم والسباب مرتبط بتاريخ اللغة، أو، بالأحرى، بتاريخ استخدامها والسيطرة عليها وتفريع مجالاتها. ومن هنا فالشتائم والسباب تمثل شكلا من أشكال "الإبداع" اللغوي الذي تدخل فيه ضروب البلاغة كافة، ويمكن أن يدرس بمناهج النقد الأدبي ويحلل من زاوية دراسة الأفكار وطرق تحليلها.

والشتم، أو السب، يرتبط بـ "المدنس" في مواجهة "المقدس". ذلك أن المقدس والمدنس يمثلان وجهين لعملة واحدة باعتبارهما يتعلقان بالمحرم والمحلل المتلازمين دوما. ومن الطريف، في هذا السياق، أن مفردة swear الإنغليزية التي تعني "يُقْسم"، أي أنها مرتبطة بالمقدس، تعني أيضا "يشتم" أو "يسب" أو "يلعن" وترتبط بالمدنس.

لكن الشتائم والسباب مرتبطة، غالبا، بانفعالات الغضب الحادة التي يجد المرء نفسه في دوامتها، فتصدر عنه على نحو شبه لا إرادي يُصرِّف من خلالها مخزونا انفعاليا ضاغطا. ومن هنا يؤدي الشتم وظيفة تطهيرية.

بيد أن ألفاظ الشتم والسب لا تستخدم دائما في حالات الغضب والاحتجاج وتكون سلبية المحمول ويقصد منها إيذاء الآخر نفسيا وتكون ذات وظيفة تنفيسية أو تطهيرية، وإنما كثيرا ما تستخدم في حالات المباسطة والممازحة بين الأصدقاء، أو مداعبة ومناكفة الآباء والأمهات لأطفالهم. ومن هنا فإنها تلعب دورا "ترويحيا" في العلاقات الاجتماعية

يفترض هذا المقال أن الشتم انبثق داخل الجماعات البشرية الأولى التي توصلت إلى اختراع اللغة والكلام وشرعت في تسمية الموجودات المحيطة بها، وتاليا الجوانب السلوكية والمعنوية. فتصف أعداءها بالجبن أو الغدر مثلا، كما تصف بعض أفرادها بالتخاذل وقلة النخوة والرجولة. ثم ظهرت أنواع السباب المتعلقة بالقيم مثل الكذب والخيانة والجشع وعدم الوفاء بالوعد. وحتى داخل الأسرة ظهر تقريع الآباء والأمهات لأبنائهم وبناتهم واتهامهم بالكسل او الغباء او العصيان...