Atwasat

«عوالة عرس»

صالح الحاراتي الخميس 02 يونيو 2022, 12:56 مساء
صالح الحاراتي

مصطلح شعبي ليبي للتعبير عن تحرك اجتماعي لغرض مساعدة أهل الفرح في الإعداد والترتيبات التي يحين وقتها عند تقديم الطعام في وليمة الفرح، قبل تطور الاستعداد للأفراح في زماننا من خلال الصالات والشركات، حيث كان إعداد الولائم يتم من خلال تطوع أفراد من أصدقاء العريس وجيرانه ليقوموا بواجب التقديم واستقبال (المعازيم) وتقديم الأكل لهم ويطلق على أولئك عوالة العرس وغالباً ما يحدث بعض الهرج والأخطاء والنواقص حتى صار لفظ «عوالة عرس» تطلق على أي عمل غير منظم وبه الكثير من العشوائية.

و«عوالة العرس» في حقيقته مثل أي عمل جماعي.. هو جهد تطوعي يقوم به مجموعة من الناس في عمل ما من أجل تحقيق هدف مشترك.. وهو أمر إيجابي ولكن المقصد أحياناً من استخدام هذا التعبير هو الإشارة إلى عدم وجود آلية تنظم ذلك الجهد حتى لا يشوبه التقصير وفوضوية الأداء، وقد استدعت الذاكرة عبارة «عوالة عرس» عند التأمل في مشهدنا السياسي وما يحدث فيه من العشوائية.

وللدخول في صلب الموضوع تبدو هناك ضرورة للإقرار بأننا بعيدون عن مسلك بناء الدولة ومؤسساتها المنظبطة.. فمعظم جهود إعادة بناء الدولة تتم بشكل عشوائي ومعظم المسميات تبدو ادعاءات وانتحال صفة وتدليس.. ومناخ التصحر السائد يسود الاهتمام بالشكليات، ومسميات غير حقيقية ولا تنطبق على الواقع وأصحابه، من كيانات وأحزاب ومنظمات، مترافقاً مع تضخيم ومبالغات للتغطية على هشاشة أولئك أمثال فخامة فلان وسيادة علان، والمجلس الأعلى لكذا… الخ، بينما حقيقة ما يحدث في مشهدنا السياسي، يتم من خلال ما تعارف عليه بعض الظرفاء بـ«عوالة عرس».

إذ لا يوجد رجال مرحلة كما يقال ولا مؤسسات تتعامل بمنهجية وخطط وبرامج.. وبما أنه لا عمل وطني فعالاً، دون فكر وتخطيط، ولا معنى لأي عمل في غياب برامج وبدائل وتصورات، يتحول الشأن السياسي برمته إلى مجرد صراخ و«رغاطة» و«عوالة عرس» في معناها الفوضوي السلبي.

حتى حروبنا الداخلية يتم استنفار واستدعاء الأفراد حسب نعرة العشيرة والقبيلة والفزعة، أو بلهجتنا المحلية «عد رجالك ورد الماء» وقد تؤدي تلك الحالة المطلوب ولكنها تختزن في باطنها الكثير من المتناقضات.. أي قد تحقق نجاحاً موقتاً ولكنه لا يدوم وستنفجر التناقضات الداخلية وتعود الأمور إلى نقطة الصفر بعد كل جولة، بسبب عدم التنظيم وعدم كفاءة الذين تم حشدهم بـ«عوالة العرس».

العمل الجماعي كمفهوم بسيط وفعال يمكن تنفيذه من خلال تنظيم المهام وتحديد الأولويات، لكنه يشمل أموراً وأفكاراً تنظيمية تتطلب العمل والتعاون الكامل بين كل أفراد الفريق تحت إدارة قادرة على ضبط كافة المهام، والمؤكد أن «إدارة الأداء» نظام يساعد على تجويد العمل وتحقيق الأهداف، والحصول على أفضل النتائج، فالعمل دون «خطة» يصبح ضرباً من العبث وضياع الوقت إذ تعم الفوضى والارتجالية ويصبح الوصول للهدف صعب المنال.. ومن ذلك تتضح أهمية التخطيط ومزاياه ومقوماته، ودون التخطيط والنظام لا يمكن إحداث أي عمل بنجاح.

معلوم أن الاستبداد نقيض للعمل الجماعي المنظم إلا ما يخدم استمراره ولا يقبل أي اجتهاد أو خطة يقوم بها أفراد خارج نسقه إلا ويتم وأدها في مهدها، إضافة إلى أنه يشجع الغوغائية بحيث يسود نمط الارتجالية فيما سمي بـ«الجمهرة» يوما ما، ونتيجة لذلك وغيره من الأسباب يفقد المجتمع أساسيات وآليات العمل الجماعي المنظم وتصبح الفوضي عنواناً لأي تحرك جماعي، ومن ذلك في تقديري جاءت عبارة «عوالة العرس» في معناها السلبي والتي لا تزال تفعل فعلها في مشهدنا السياسي.