Atwasat

خليفة حسين مصطفي: أحد (هؤلاء)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 30 مايو 2022, 12:50 مساء
محمد عقيلة العمامي

خلال الفترة التي تناولها الناقد الروائي الراحل عبد الرسول العريبي، قال: "لقد ظلم النقد - خليفة حسين مصطفى - حين لم يعطه حقه، أو يتناوله مبكرا بالدراسة أو يقابله بالاختفاء، في حين حظى سواه مبكرا بالدراسة أو يقابله بالاحتفاء، في حين حظى سواه ممن لم ينتجوا شيئا مقابله بما أنتج وأعطى بالتكريم والتهليل، وذلك لمحض علاقات عامة لا يجيدها خليفة..".

كنت قد تعرفت واقتربت من الراحل الأستاذ عبد الرسول، وكثيرا ما تحدثنا عن هذا الحال، الذي لم يخف على أحد من المهتمين والمتابعين للمشهد الثقافي الليبي في ذلك الوقت. كان عبد الرسول متابعا حقيقيا، وهو الذي نبهني خلال مناسبة ثقافية في طرابلس ترافقنا خلالها، وعاتبني خلالها عن سرد حكاية ذكرتها في روايتي "ليلة عرس الجمل" عن قامة علمية يعد قريبا منها، وأن الرجل اشتكى إليه، والواقع أن ما حدث مجرد مصادفة، وأكدت له أنني لا أعرف صاحب تلك المأساة شخصيا، وبالتالي أنا لا أقصده إنما وظفت مسألة لتكون أكثر إقناعا للقاريء.

وأكدت له أنه ينبغي أن نذهب إليه سويا وأوضح له الملابسات وأنني لم أقصده هو بالذات، ولكن ذلك لم يحدث. أريد أن أقول أن الراحل الكريم عبد الرسول كان بالفعل متابعا جيدا وحذرا من المنزلقات في تلك الفترة حريصا على ألَّا يقع فيها.

وأذكر أنني عاتبته على أنه نسى شخصية أدبية كانت، وما زالت محترمة، لم يضمنها مشروعه هذا. اتفق معي عن جدارة هذه الشخصية، التي تستحق عملا قائما بذاتها، وأشاد بها وكان معتزا بها ويحترمها منذ بداية كتاباتها في صحيفة الحقيقة، وكان يري أنها تستحق أن تكون ضمن مشروعه، ولكنه كان حذرا جدا من أن يفسر اختيارها للمشروع بسبب أنه كان حينها أحد مسئولي الثقافة في ذلك الوقت، بل نبهني إلى كاتبين آخرين كان بالفعل يريدهما ضمن مشروعه هذا لولا وظائفهما القيادية.

في تلك الفترة عرّفني عن القاص والروائي والناقد خليفة حسين مصطفى، ولكنني وللأسف لم أقرأ له سوى رواية (ليالي نجمة) التي أرى شخصيا أنها إحدى الروايات الليبية المؤسسة على واقع مكان حوادثها، ويقول آخرون وشخصياتها أيضا.

يقول الأستاذ عبد الرسول، أن أول إنتاجه صدر سنة 1975 عنوانه "صخب الموتى" ، وألحقها بمجموعة "توقيعات على اللحم " ثم مجموعة "الفئران تطيرأيضا"، أما "حكايات الشارع الغربي" فكانت سنة 1979 وكانت عن حياته ومتابعاته من هذا الشارع الذي عاش فيه. أما رواياته فقد صدر أولها سنة 1981 - قبل أن ينشر الروائيان ابراهيم الكوني وأحمد ابراهيم الفقيه أول أعمالهما – ثم تلاحقت رواياته ، "خريطة الأحلام السعيدة" ثم "عين الشمس" وآخرها رواية " ليالي نجمة.

وقال صدق الأستاذ عبد الرسول العريبي، كعادته، عندما قال عنه أنك قد تراه في المناسبات الثقافية ولكن بعيدا عن أضواء مهرجاناتها وأروقة الفنادق الفخمة، وموائد مطاعهما الفاخرة. وهو في مجال النقد الأدبي تماما مثلما أخبرني عبد الرسول حاد في تفاصيل نقده، وكثيرا ما واجهته ردود فعل ممن كتب عنهم ولكنه لا يبالي يقول رأيه ويمضي في سبيله. وعما يكتبه من نقد يقول: "ليس في نيتي أن أدافع عن كلمة لم تكتب، وقصة لم تتنفس هواء نقيا تحت الشمس، ولم تقرع الأجراس، أو لم تحتمل أعباءها درجة الإعياء.."

ويحق لي أنا أيضا أن أنتقد إقحامه لقرع الأجراس، في غير موضعها، فقرع الأجراس مصطلح استخدمه هيمنجواي عنوانا لروايته ويقصد مثلما يحدث في القرى الجبلية، إذ تقرع الأجراس إعلانا عن رحيل أحد رجالها، ولهذا جاء عنوان روايته: " لمن تقرع الأجراس" في حين أن أديبنا الروائي خليفة حسين مصطفى استخدم هنا قرع الأجراس للتنبيه إلى الحياة وليس إعلانا عن الموت.

ويواجه هو أيضا نقدا ولكنه يمضى إلى الأمام ولذلك لا يخفى على المتابعين، مثلما يقول الأستاذ عبد الرسول العريبي أن لأعماله: "مسارات واعية من حيث هي تجربة متكاملة، ذات ديمومة مطردة، ومتوهجة.." فالنمو على المستويات الثلاثة الفنية واللغوية والإبداعية متساو في نضجه. ويشبهه الناقد عبد الرسول العريبي بتشارلز ديكنز في لندن، ونجيب محفوظ في القاهرة، مبرزا أنه أدب مدينة، ومدينته هي طرابلس.

لقد خصصت لأديبنا الراحل خليفة حسين مصطفى هذه الحلقة لأنه في تقديري يحتاج إلى قراءة متأنية فتجربته كبيرة، وإنتاجه متنوع ومراحل نضجها تحتاج إلى المزيد من البحث والتدقيق.