Atwasat

شعب كاتينه حديد!!

صالح الحاراتي الخميس 26 مايو 2022, 01:29 مساء
صالح الحاراتي

يعتبر "سير الكاتينة " في أي سيارة، هو السير الذي يربط بين جزئين من أهم أجزاء المحرك، وهما المحور السفلي والمحور العلوي، وعلى أساسها يتم ضبط توقيت فتح "الصبابات" لإخراج العادم بعد عملية الحرق وإغلاقها أثناء عملية ضخ خليط البنزين والهواء إلى غرف الاحتراق.

سير الكاتينة هذا قد يكون من المطاط أو من الحديد على شكل جنزير حديد ويوضع داخل الموتور ويتم تزييته من زيت الموتور ويتم التحكم فيه بواسطة مسمار ضبط من الخارج وكما هو معلوم، فإن جنزير الحديد أقوى وأطول عمرا بسبب متانته وصلابته ولا يحتاج إلى صيانة وعيبه هو خشونة صوت المحرك وصعوبة صيانته.

بعد هذا التقديم نأتي إلى المقصد من عنوان هذه السطور..
كنت جالسا في المقهى أنتظر لقاء أحد الأصدقاء وكان بجانبي مجموعة من الشباب يتحدثون وتعالت ضحكاتهم عندما قال أحدهم "والله احنا شعب كاتينه حديد"!!.. فضحكت معهم وتبادلنا التحايا دون سابق علاقة بهم
ثم بقيت تلك العبارة تدور في عقلي محاولا تفسيرها.. فتصورت عندما نصف شخصا ما بأنه "كاتينة حديد"
فمعناها أنه "صلب وقوي ويتحمل الضغوط والظروف الصعبة".. فماذا لو كان هناك شعب بأسره يوصف بأنه كاتينه حديد!! وهو ما سمعته يتردد قبل قليل لوصف حالنا، فهل حقا نحن نستحق ذلك التشبيه؟

بداية يبدو لي أن الأمر قد يستدعي منا استحضار تعبير آخر يحمل مدلول الاحترام والتوقير عندما نطلقه على شخص متمرس في الحياة بتجارب حياتية عديدة فنقول مدحا له هذا إنسان (متكسر على راسه القلال)..
والمعنى هو التاكيد على أن التجربة هي أحسن برهان لمعرفة الناس بأنفسهم وبغيرهم خاصة أوقات الشدة والمحنة، فالتجارب العديدة تجعل الإنسان يتعلم أكثر ويعتمد علی نفسه، فالحياة کلها تجارب، وهي کل ما نمر به من أحداث ومواقف، ولها تاثير كبير على شخصية الإنسان وأفعاله.. بل ينصح أطباء النفس دوما، بأن يدخل الإنسان في تجارب حياتية وألا ينغلق على نفسه وذاته لكى يستطيع أن يعيش في هذه الحياة.

نعم التجارب هي خير معلم للإنسان، فالتفاعلات مع الأحداث التي يمر بها الإنسان، ويضع فيها نفسه أو يوضع فيها رغما عنه، سيجد نفسه يتعامل معها ويتعلم منها.. ويفترض أن يكون جريئا في تعامله مع مواقف الحياة، ولا يتراجع كثيرا لأنه يكون أقوى نفسيا وأكثر قدرة نفسية من غيره ممن يفاجأ دوما بكل جديد،
المهم هو الاتعاظ من التجربة، وقديما قالوا "أسأل المجرّب قبل الحكيم." لأنه سيکون معلما لغيره.

نعود إلى لفظ (كاتينة حديد) الذي استعان به أولئك لوصف حال مجتمعنا، ومدى وجاهة هذا التوصيف، إذ يبدو لي فعلا أن ما مر بمجتمعنا من مآسٍ في الزمن البعيد والقريب جعلت من أهلنا أناسا ذوي قدرات عظيمة في التحمل والتأقلم مع كافة الظروف الصعبة.. فقد مر بنا زمن مورست فيه القيود والقمع وانعدام الحريات والاعتقال والتصفية الجسدية، ثم جاء زمن انقطاع الكهرباء والماء والغاز والبنزين وندرة الغذاء ناهيك عن الرعب والقتل والخطف والحروب ومآسيها.. ومع كل ذلك نرى أن إرادة الحياة هي التي تنتصر في النهاية، فكل ذلك أنتج صلابة وقوة تحمل كبيرة مثل "كاتينة الحديد"، ولكن يبقى الأهم هو الخروج بدروس من المحن والظروف الصعبة وليس القدرة على التحمل والتأقلم فقط، وإذا كانت عيوب الـ "كاتينة حديد" أنها تسبب خشونة صوت الموتور وصعوبة صيانته، فهل إنساننا يكتسب أيضا "الخشونة وصعوبة صيانته!؟" أم يستفيد من تجاربه ليعيش في ظروف أفضل.