Atwasat

أمّة اقرأ والقراءة

نور الدين السيد الثلثي الأحد 22 مايو 2022, 12:28 مساء
نور الدين السيد الثلثي

تتباين أرقام معدّلات القراءة بتباين قواعد إحصائها من حيث أعمار المستهدَفين، ووسطِ القراءة، ورقياً أو إلكترونياً، والغرضِ من القراءة، دراسةً كان أو عملاً أو قراءةً حرة. وربما انطلقت بعض الإحصائيات لتؤكّد فرضيّةً أو أخرى. معدّل القراءة في العالم العربي حسب تقرير التنمية البشرية (اليونسكو) لسنة 2003، كان 1.25 بالمائة من كتابٍ واحد لكل مواطن عربي (مقابل 35 كتاباً لكل مواطن في أوروبا)، وفي الطرف الآخر نجد إحصائيةً لـ (Statista)، تفيد بأن المواطن المصري يحتل المرتبة الخامسة في العالم في القراءة، بمعدّل سبع ساعات ونصف الساعة في الأسبوع.

إذا ما وضعنا الإحصائيات جانباً والتفتنا إلى مشاهداتنا اليومية، نجد أننا لا نقرأ، خارج دائرتيْ الدراسة والعمل، إلا النزرَ القليل.

المدرسة لا تدرّب تلاميذها على القراءة خارج النصوص المقرّرة، وليس في المنظومة التعليمية دورٌ للمدرسة في ترغيب التلميذ في القراءة وتعويده عليها، مصدراً للمعرفة، والمُتعة، والتذوّق، وإثراء المفردات. قُصارى ما تطلبه المدرسة من تلاميذها هو قراءة واستذكار ما يتقرّر حفظُه وترديدُه على أوراق الامتحان أو أمام المدرِّس من أجل النجاح.

ويمتدّ عدم الاهتمام بالقراءة إلى خارج المدرسة؛ نلمسه في غياب المكتبات العامة حتى في المدن الكبيرة بما فيها مدينة طرابلس، وفي وجودِها بالكاد في المعاهد العليا والجامعات، ناهيك عن المدارس. نزور المكتبات العامة خارج بلداننا فنندهش برؤية الأطفال يستعيرون كتباً، أو عائدين بكتب.

في تاريخ الكِتاب والقراءة في منطقتنا العربية محطات. كان الشعر قبل الإسلام محلّ احتفاء مكتوباً في معلّقاتٍ؛ الأمر الإلهي أول ما سطع على الأرض كان "اقرأ"؛ ازدهرت بعد هذا الأمر العلوم كتابةً وترجمةً؛ بيت الحكمة وعهد المأمون ومدارس نظام الملك شهود عليها.

أحدث اختراع يوهان جوتنبرج للمطبعة سنة 1440م ثورةً كبرى، كان العالم العربي في معظمه، وقتها، جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. أمام اعتراض النُّسّاخ الذين رأوا في الطباعة نُذُرَ نهاية مهنتهم، وعلماءِ الدين لخشيتهم من تحريف القرآن الكريم والنصوص الدينية إذا ما كان للآلة دورٌ في تدوينها، منع السلطان الطباعة، وإن سمح بها لطائفتي اليهود والمسيحيين.

تأخر إنشاء أول مطبعة في الدولة العثمانية بالحروف العربية، حتى سنة 1726م، أي بعد اختراع الطباعة بنحو 290 عاما، فيما قُدِّر عدد نسخ الكتب المطبوعة في أوروبا الغربية بحلول سنة 1500م بأكثر من 20 مليون كتاب (1).

أرقام نشر الكتب العربية، بعد ثلاثة قرون من إنشاء المطبعة العثمانية الأولى بأحرف عربية، لا تدعو إلى رضىً أو تفاؤل. لم تتجاوز كمية الكتب المنشورة في الدول العربية (437.8 نسمة) بين سنتي 2015 و2019، متوسطاً بلغ 63 ألف كتاب في السنة (2)، في حين بلغ عدد الكتب المنشورة في ألمانيا (38.2 مليون نسمة)، سنة 2017، على سبيل المثال، 72,499 كتاب (3).

ما يعني نشر 144 كتاب في السنة لكل مليون نسمة عندنا، مقابل 1,808 كتاب في السنة لكل مليون نسمة في ألمانيا.

هذه الأرقام البائسة لنشر الكتب، ومعها التأليف والقراءة، لا تبشّر بمستقبلٍ أفضل حالاً من الحاضر، ما دام التعليم مستمرّاً وفق ذات نهج التلقين والحفظ والترديد، الراسخِ منذ أمدٍ بعيد، وما دامت القراءة غائبةً كنشاطٍ حياتيٍّ مستمر.

إجلال الأمر "اقرأ" يظهر في العمل به، وليس في مجرد حفظه وحفظ ما سبقه من الآيات وما تلاه، أو ما يتقرر للحفظ في المدارس. سنكون على الطريق متى أصبحنا نقرأ ونكتب، ونفكر ونتدبر ونبدع. ذلك يتطلب تحولات ثقافية ورؤيةً جديدة وعدةً فنية من المناهج والتدريب والتقنيات، وزمناً غير قصير ومثابرةً لا تنقطع. لكن هنا تكمن الثورة الحقيقية. ما عدا ذلك، مهما علا صخبه أو اشتدّ عنفه، رميٌ للحصى في مياهٍ راكدة.

(1): History of Innovation, https://aehistory.wordpress.com/1440/10/07/1440-invention-of-the-printing-press .

(2): 315 ألف كتاب بين سنتي 2015 و2019، اتحاد الناشرين العرب.

(3): المصدر Statista. فضّلتُ المقارنة بكتب منشورة باللغة الألمانية بالدرجة الأولى، وليس بالإنجليزية أو الإسبانية أو الفرنسية ذات جمهور القراءة العريض في مختلف أنحاء العالم.