Atwasat

«هؤلاء»

محمد عقيلة العمامي الإثنين 09 مايو 2022, 11:58 صباحا
محمد عقيلة العمامي

(هؤلاء) هو كتاب الروائي الراحل عبدالرسول العريبي، الذي صدر سنة 2008 وهو ضمن المجموعة التي تأجلت قراءتها لأسباب كثيرة، وهي التي استهللنا أولها الإسبوع الماضي. وكتاب (هؤلاء) يتناول 20 أديبا وشاعرا ليبيا، لم يعد بيننا منهم سوى أربعة مبدعين. ومن الذين رحلوا من عاش بعد وفاة المؤلف، ومنهم من غادرنا قبله، والكاتب أحسن اختيارهم، فهم كتاب وشعراء ومؤرخون وفلاسفة أصحاب فكر. هؤلاء العشرون تركوا لنا إرثا ثقافيا بديعا، ومر أكثر من نصف قرن على أعمال الكثير منهم، ومازالت مثيرة للجدل، ولم تتوقف، قصائد الشاعر راشد الزبير السنوسي، ولا تراجم الأديب والمترجم إبراهيم النجمي، ولا روايات الروائي الدكتور صالح السنوسي، وأيضا الجدل وحضور الروائي إبراهيم الكوني.

استهل المؤلف أول هؤلاء (الهؤلاء) بالشاعر علي الفزاني ونشرت خلال شهر يناير سنة 1985، حدث من بعد أن قال عنه صادق النيهوم: "أن موهبة الفزاني كفيلة بإرشاده إلى الحقيقة.." وقال عنه الدكتور عبد القادر القط: "لابد للسندباد أن يرحل، أن ينشر شراعه للريح..". ونشر شراعة وظل يرحل معه حتى رحيله.

والمقالة الثانية عن صادق النيهوم، التي استهلها بقوله: "يكتب بلغة الفكر، ولغة الفكرتعنى أن كل جملة لابد وأن تكون مؤسسة على فكرة ما، تعنى أيضا رصد اللحظات الهاربة واصطيادها كما يجب، عبر تعابير رصينة وعميقة". وطلب منا أن نرفع أكفنا إلى السماء ونبتهل معا بعبارات صادق: "يارب، دع سماءك تمطر كتبا، دعها تمطر مدارس جيدة ومعلمين، وسوف نصنع نحن المطر ونغسل عارنا".

واختتم مقالته الثالثة عن الأديب خليفة الفاخري قائلا : "إن أدب - الفاخري- فيما لو نشر في كتب وتعرض، كما يجب للدراسة والتحليل، لكان وبحق مساهمة فذة، وإيجابية في إثراء الكلمة النبيلة الطيبة، ذات العمق الإنساني، والبعد الشعري، المفعم برائحة تجربة كاملة لجيل كامل".

ويقول أن وفاة على الرقيعي في 23/11/ 1966 إثر حادث أليم، خسارة حقيقية للشعر في ليبيا ويترحم عليه لأنه عاش: "وفيا للشعر، كموقف تاريخي من قضايا الحرية والانتماء، وكان وفيا للوطن، حالما بالثورة التي ما فتيء يغني لها متطلعا في كبرياء وأنفة إلى يوم الخلاص.

ولقد أجاد الأستاذ عبد الرسول العريبي، في ما كتبه عن شاعر الوردة، أو شاعر الحب على صدقي عبدالقادر، فلقد سرد العريبي بهدوء رؤيته لشعر هذا المبدع، ولو أنه عكف بسطر أو اثنين على رائعته (بلد الطيوب) لزاد من شمولية مقالته. ويقول الأستاذ العريبي أن عبد القادر يتجدد بهدوء ويتعامل مع القصيدة التي يكتبها بحب وألتصاق. ألم يورد عن شاعرنا، أنه قال: "جئت إلى هذه الأرض قبل أن أولد، وسأبقى معكم، ومع من يأتون من بعدنا لأنني أحب الحياة، فألغيت الزمن من عمري، وطرحت عامل الموت من حسابي.." رحم الله شاعرنا، ومن كتب عنه، وأطال أعمار من مازلوا يكتبون عنه.

وعن الموسوعة الليبية الأستاذ على مصطفى المصراتي، أخبرنا أن له ما يزيد عن 29 كتابا، استهلها بكتاب أعلام من طرابلس سنة 1955وكان له باع في اهتمامه بالأمثال الشعبية ودلالتها، وأصدر سنة 1982 كتاب التعابير الشعبية: دلالات اجتماعية ونفسية، وكتب القصص الطويلة وكذلك القصيرة، ونشر مجموعة مرسال سنة 1963. وفي العموم لخص الأستاذ العريبي ببلاغة نبذته عن الأستاذ على مصطفى المصراتي، بقوله: "أن المثابرة وديمومة العطاء وروح البحث المكثف هي سمة في كتابات المصراتي".

ويرى الأديب الناقد عبد الرسول العريبي أن الدكتور على فهمي خشيم باحث أكاديمي في انثربولوجيا المكان، بلغة تتسم بأسلوب إبداعي عميق، ويرى أنه يكتب بلغة الشعر، وأنه مترجم لا يفارقه الحس الأدبي، ويدلل على ذلك بترجمته لرواية (تحولات الجحش الذهبي) التي تؤكد حرصه واهتمامه بالأسطورة ، والخيال، والواقع، وفوق ذلك جدلية المكان والزمان، الذين اهتم بهما قبل الفتح الإسلامي، محاولا بالجهد كله تقريب الأزمنه والأمكنة. وهو باحث في الفلسفة الإسلامية، لعل كتابه (النزعة العقلية في تفكير المتعزلة) يؤكد ذلك. وهو باحث في التصوف بحسب ما ورد في كتابه (الزروق والزروقية) وأبحاثه عن المتصوف أحمد بن عيسى. ويحدثنا عن صادق النيهوم، وقدم لنا الروائي الدكتور صالح السنوسي، وجادل الكثيرين من الشيوخ الكبار، لعل الشيخ شعراوي أهمهم. ويتأسف الأستاذ العريبي عن عدم توفر دراسات وأبحاث جادة عن مؤلفات الدكتور على فهمي خشيم، التي بلغت أكثر 15 كتابا.

ويتناول الشاعر على عبد الشفيع الخرم، ويؤكد أن تجاهل هذا الشاعر لديوانه الأول (سلة الأنغام) يتعارض مع رأيه الذي يرى أنه في الواقع بداية مقنعة لشاعر موهوب، منتقدا تجاهل الشاعر لأحد أبنائه الشرعيين. وعند كتابته عن الشاعر كان قد صدر له ثلاثة دواوين، وله ثلاثة تحت الطبع، ويختتم رأيه في شعر الخرم بأنه: "همس دافيء مفعم بإرهاصات تزدحم وتتكشف بين القصيدة والأخرى، فيسمو بالحب، وترنو به إلى عوالم العشق والحرية والانتما للبؤساء لأنهم هم بناة الأوطان، وهم وارثوها..".

ويستهل قوله في تناوله للشاعر محمد الشلطامي بقول شاعرنا الفذ: "أن الكلمة لابد أن تنفصل عن ذات الشاعر، من حيث هي للناس ولوجه الله..". وأبدع الأستاذ عبد الرسول العريبي في انتقاء وتقديم الشاعر محمد الشلطامي، حيث قرر أن الكلمة الشعرية يتعين أن تصل إلى الناس محررة من واقعية الشاعر، ولا يحاول، أبدا، أن يقدمها من خلال تمثيلة هزلية حين يقف أمام الجمهور.. ". ولذلك كان يرفض الأمسيات الشعرية والتصوير الفوتوغرافي خلالها، والتظاهروالابتزاز التافه لمهمة الشعر. ويقرر العريبي في موضوعه عن الشلطامي: "إن الشعراء، في الغالب يتعثرون حتى يصلوا إلى مرحلة النضج، وأن ذلك المنطق لم ينسحب على شعر محمد الشلطامي منذ أن قرأنا قصائده الأولى".

ويتناول الشاعر محمد عبد السلام الشلماني، فيقول الأستاذ عبد الرسول العريبي أن معظم الذين قرأوا شعره، وأدبه يعرفون أنه لم ينل الصيت والشهرة التي يستحقها، فلقد فاز بجائزة أدبية، عندما كان في السابعة عشرة من عمره، وينال أخرى عن القصة القصيرة سنة 1951، وعن رواية – بلا نهاية- سنة 1968 وتوالت دواوينه الشعرية (الهتافات) في مايو 1967 و (النداءات) سنة 1974 ناهيك عن قصائد لم تنشر. ويتأسف الأستاذ عبد الرسول العريي على أنه لم يقابل الشاعر محمد عبد السلام الشلماني سوى مرة واحدة في حضرة الأديب محمد الغزالي، ويؤكد أن إنتاجه يستحق بالفعل دراسات وافية. وللحديث عن "هؤلاء" نحتاج إلى حلقتين أخريين.