Atwasat

الأسئلة الصحيحة الغائبة في الحرب الروسية الأوكرانية

علي الدلالي الأحد 08 مايو 2022, 10:31 صباحا
علي الدلالي

وُلدت نظرية الجاذبية التي أحدثت واحدة من أكبر الثورات العلمية في هذا الكون عندما قام السير إسحاق نيوتن، وهو يجلس في مزاج تأمُّلي في حديقة بيته حيث شاهد سقوط تفاحة على الأرض، بطرح السؤال الصحيح: لماذا لم تنحرف التفاحة جانبًا، يمينا أو شمالا، أو تصعد إلى الأعلى، بل سقطت باتجاه مركز الأرض؟ ملايين الناس قبل نيوتن رأوا سقوط التفاحة وأشياء أخرى كثيرة عموديا إلا أن نيوتن فقط هو الذي طرح السؤال الصحيح للوصول إلى الحقيقة: لماذا لم تنحرف التفاحة أو تصعد إلى الأعلى؟

اليوم في عالم السياسة المضطرب والنزاعات والصراعات والحروب بمختلف مسمياتها تقوم الشبكات الإعلامية التي تهيمن عليها الدول الكبرى بضخ الأسئلة الوهمية وغير الصحيحة التي لا تقود إلى الحقيقة مطلقا ولتضليل الرأي العام.

في الأزمة الليبية، على سبيل المثال، وتأسيسا على تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي الذي كشف فيه أن السلطات في طبرق هي التي استدعت قوات "فاغنر" العسكرية الروسية التي شاركت فيما عُرف بحرب العاصمة، وتنتشر حاليا في منطقة الهلال النفطي وتتخذ من قاعدتي القرضابية والجفرة مركزا لعملياتها في ليبيا وفي العديد من دول الساحل ووسط أفريقيا حتى الآن.

يمكن أن نرصد ببساطة أن السؤال الرائج غير الصحيح والوهمي الذي يتردد عبر القنوات المحلية الممولة من شخوص مدعومين من الخارج، والفضائيات الدولية التي تنتمي لدول لها أجندات ومصالح تدافع عنها في ليبيا، وعلى لسان من يسمون بـ "المحللين"، لتضليل الرأي العام الليبي والدولي على حد سواء: من استدعى هذه القوات، وهو سؤال لا يقدم ولا يؤخر أي شيء، في حين أن السؤال الصحيح: ماذا تريد روسيا من ليبيا.

وهو الأمر الذي ينسحب على كافة الدول المتدخلة في الشأن الليبي، منها تحديدا مصر وتركيا والإمارات وقطر وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة والجزائر، بل حتى السودان والنيجر وتشاد: ماذا تريد كل هذه الدول من ليبيا وأقله ماذا تريد من توطين الفوضى والحروب الأهلية والعبثية في بلادنا؟

لعلنا عشنا خلال غزو العراق أو ما عُرف بحرب الخليج الثالثة، عام 2003، أكبر كذبة روجتها أقوى دولة في العالم، الولايات المتحدة، وأكبر عملية تضليل للرأي العام الدولي، من خلال تعبئة الآلة الإعلامية والفضاء السمعي البصري عبر الكرة الأرضية للترويج للسؤال الخطأ عن عملية البحث عن أسلحة الدمار الشامل لدى العراق في حين أن السؤال الصحيح: لماذا قررت الولايات المتحدة تدمير العراق؟ والجواب بات اليوم معلوما لدى الجميع بعد تدمير العراق وإعادته إلى القرن الثامن عشر.

نعيش اليوم فيضانا في المعلومات والأسئلة غير الصحيحة والمضللة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، تضخه القنوات الفضائية ووسائط التواصل الإجتماعي والصحف العالمية ومختلف الإذاعات المحلية والموجهة عبر العالم، عن غزو روسيا لأوكرانيا في حين أن السؤال الصحيح: لماذا دفعت الولايات المتحدة نحو تفجير هذه الحرب؟

في نوفمبر من العام 2019 قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة صحفية إن الحلف الأطلسي في حالة "موت دماغي".

وانتقد ماكرون قلة التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا وما أسماه بـ "السلوك الأحادي" الذي اعتمدته تركيا، الحليفة الأطلسية، في سوريا، معتبرا أن "ما نعيشه حاليا هو الموت الدماغي لحلف شمال الأطلسي".

ورأى مراقبون وقتذاك أن تصريحات ماكرون "عالية النبرة" والتي تساءل فيها حول مصير الحلف نفسه، سيكون لها وقع كبير على مستقبل هذا الحلف العسكري، وستطرح مشاكل معقدة أمامه.

ودعا الرئيس الفرنسي إلى ضرورة توضيح الغايات الإستراتيجية للحلف الأطلسي، وشدد مجددا على ضرورة "تعزيز" أوروبا الدفاعية.

ورأى الرئيس الفرنسي في هذا الشأن تحديدا أنه "من الجوهري من جهة، قيام أوروبا الدفاعية، أوروبا التي تمنح نفسها استقلالية إستراتيجية وعلى صعيد القدرات في المجال العسكري، ومن جهة أخرى، إعادة فتح حوار إستراتيجي مع روسيا، حوار خال من أي سذاجة وهو أمر سيستغرق وقتا".
واغتنم ماكرون المقابلة للتحذير من ثلاثة مخاطر كبرى محدقة بأوروبا: أولها أنها "نسيت أنها مجموعة"، والثاني "انفصال" السياسة الأمريكية عن المشروع الأوروبي، والثالث صعود النفوذ الصيني الذي "يهمش أوروبا بشكل واضح"، وقال: "هناك اليوم سلسلة من الظواهر التي تضعنا على حافة الهاوية".

وأوضح أن "أوروبا نسيت أنها مجموعة، بل تصوّرت نفسها تدريجيا سوقا هدفها النهائي التوسع"، وقد عارض في ذات السياق بدء مفاوضات انضمام مع شمال مقدونيا وألبانيا.

والخطر الثاني بنظر ماكرون، هو أن الولايات المتحدة التي تبقى "شريكنا الكبير" غير أنها تتجه بأنظارها إلى مكان آخر" نحو "الصين والقارة الأمريكية"، وهو تحول بدأ برأيه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

وأضاف حينذاك: "لأول مرة لدينا رئيس أمريكي (دونالد ترامب في ذلك الوقت) لا يشاطر فكرة المشروع الأوروبي، والسياسة الأمريكية تنفصل عن هذا المشروع".

ويكمن الخطر الثالث، براي ماكرون، في تزامن إعادة تركيب توازن العالم مع صعود الصين منذ 15 عاما، وهو أمر يهدد بقيام عالم ذي قطبين، ما سيهمّش أوروبا بشكل واضح.

وحذر ماكرون من أنه إذا لم تحدث في أوروبا "يقظة إدراك لهذا الوضع وقرار بمعالجته، فإن الخطر كبير بأن نختفي عن الخارطة الجيوسياسية مستقبلا، أو أقله ألّا نعود أسياد مصيرنا".

إن قراءة متأنية ومحايدة لما جاء على لسان الرئيس الفرنسي في هذه المقابلة التي خص بها مجلة "ذي أكونوميست"، قد تطرح وتجيب في ذات الوقت عن السؤال الصحيح: لماذا دفعت الولايات المتحدة باتجاه تفجير هذه الحرب في قلب القارة العجوز.

لا شك أن واشنطن، ديمقراطية كانت أم جمهورية، لن تقبل مطلقا بالمساس أو بمجرد التشكيك في "حلف النيتو" لأنها تدرك أن "يقظة الإدراك" التي طالب بها ماكرون ستدفع الولايات المتحدة إلى التقهقر خلف الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، ما يعني ببساطة تفككها على غرار الاتحاد السوفييتي السابق.

ومن هنا فإن دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون الواضحة والصريحة بقيام "أوروبا الدفاعيبة" تعني تقليص الاعتماد على الحلف الأطلسي العسكري، وبمعنى أدق، تقليص نفوذ الولايات المتحدة في أوروبا لتتمكن هذه القارة من بناء مشروعها العسكري المستقل بما يضمن لها مكانة فوق الخريطة الجيوسياسية والجيوإستراتيجية العالمية التي ستتقاسمها في المستقبل الذي قد لا يكون بعيدا، كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا.

لقد ضربت أمريكا من خلال تفجير هذه الحرب على الأرض الأوكرانية وتأجيجها ومنع الحلول السلمية، وتضليل العالم من خلال فيضان الأسئلة الوهمية وغير الصحيحة، عصفورين بـحجر واحد، كما يُقال، الأول وأد مشروع ماكرون في التحرر من قبضة حلف النيتو وربط مصير أوروبا بهذا الحلف العسكري الذي تهيمن عليه أمريكا إلى الأبد، والثاني زعزعة استقرار روسيا وإضعافها وبالتالي تدمير حلم الرئيس بوتين بإعادة بناء "إمبراطوريته".

إن التسريبات التي تناقلتها كبريات الصحف الأمريكية هذا الأسبوع عن دور أمريكي مباشر في مقتل "الجنرالات الروس" وفي تدمير السفينة الحربية "موسكافا"، تؤشر على نية أمريكية في الوصول بهذه الحرب إلى أقصى حدودها، ولكن ما قبل النووي.

إلى ذلك نتابع جميعا تصريحات المسؤولين في أوروبا وأمريكا هذا الأسبوع عن دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، حيث قررت بريطانيا، على سبيل المثال، دعما إضافيا بـ 350 مليون دولار أمريكي، وألمانيا بـ 500 مليون دولار أمريكي في ذات الوقت الذي طلب فيه الرئيس الأمريكي بايدن من الكونغرس دعما إضافيا بـ 33 مليار دولار(فقط لا غير) لدعم ما أسماه بتعزيز صمود الجيش الأوكراني ومقاومة أوكرانيا للغزو الروسي. أليس في ذلك ما يكفي من المؤشرات على أن أوروبا ستستمر لوقت طويل جدا تحت "أحذية المارينز" الأمريكان؟
لكن السؤال الصحيح الذي يطرح نفسه بقوة اليوم: إلى متى ستستمر أمريكا في تجاهل أن روسيا، ناهيك عن إمكانياتها وقدراتها العسكرية الجبارة، هي دولة فنون لعبة الشطرنج وأن رئيسها فلاديمير بوتين لاعب شطرنج ماهر بامتياز؟