Atwasat

لعبة الفاغنر

نورالدين خليفة النمر الخميس 05 مايو 2022, 11:22 صباحا
نورالدين خليفة النمر

حلت الحقبة السعودية الثمانينية وامتدادتها التسعينية محل الحقبة الناصرية الستينية وامتدادتها السبعينية، وتجددت فى بداية الألفية الثانية، حيث لعب المثلث السعودى السورى والمصرى، دورا فى صناعة وتوجيه القرار بمنطقة الشرق الأوسط. تيار الممانعة الذي انتهى بسقوط النظام العراقي والاحتلال الأمريكي ـ الغربي للعراق، ولم تجدده ماسميت بثورات الربيع العربي، التي انكفأت بمصر على مشاكلها الداخلية المعقدة، وأخرجت سوريا تماما من معادلة الفعالية السياسية إلى مستنقع الفوضى، وزحزحت السعودية من موقعها الرئيسي في قيادة وتحديد وصناعة وتوجيه القرار العربى. بل أظهرت الدويلات الصغيرة، وبالتحديد الإمارات وقطر التي ليس لها من مقومات القوة السياسية إلا امتلاكها الوفرات المالية الهائلة، ولكنها لن تملأ الفراغ الدي سيحدثه الغياب السعودي المتوقع، لأسباب ديموجرافية ـ جغرافية، وتاريخية ـ ثقافية .

قطر اندمجت في السياسة الإقليمية التركية، التي تبنت إيديولجية الأخوان المسلمين المضادة للسلفية السعودية، والأمارات العربية عوضت انشغال السعودية بالمواجهة مع إيران في اليمن. ولعبت بقوتها المالية دور السعودية في إعاقة المؤثر الإقليمي التركي ـ القطري في البلدان ـ وأبرزها ليبيا التي حلت بها الفوضى بعد الثورات العربية التي حدتث فيها .

ليبيا الحديثة التي ولدت دولتها المستقلة بقرار دولي عام 1951، عبر منظمة الأمم المتحدة غاب فيه أي تأثير إقليمي، ثم تبوئها مكانة الدولة المصدرة للنفط، إلى جانب موقعها الجيوسياسي، بين قارتي أوروبا وأفريقيا وقلة عدد سكانها، مقارنة بثروتها. كل هده العوامل جعلتها دولة محل منافسات دولية مباشرة لا يلعب فيها البُعد الإقليمي إلا دوراً شكلياً نافلاً. لعِبتْه في ظرف الثورة الليبية عام 2011 دويلتا الخليج النفطيتان.

الدور القطري عززته الدولة التركية بقوتها العسكرية، التي جزء منها مصنع داتياً، وتحركها العسكري في المجال الإقليمي المغطى بعضويتها في تحالف الناتو الغربي. ولها مستندات حدود بحرية مع ليبيا تقوننها اتفاقيات دولية، وعلاقات تاريخية .

أما الدور الإماراتي، فلا تعززه إلا الأموال التي تشتري دعماً دوليا مغذياً لأطماع فرنسا، ويتلاءم مع حصتها في المنافسة الأوروبية، وبالأموال تستدعي تدخلاً روسيا عبر وكالة المرتزقة "فاغنر" شبه العسكرية عبر ليبيا إلى بلدان أفريقية لنفوذ إمبريالي روسي منافس للغرب ويضطره في مجاله الاستعماري السابق والاستراتيجي الحالي للخضوع إلى مساومات باهظة التكلفة .

هده التوطئة تمهد لنا تفسير ما قصدناه باللعبة في مسألة التعامل مع سابقة المرتزقة الروسية "فاغنر"، ودورها السيء في تأجيج نزاعات أهلية في القارة الأفريقية، ودعم دكتاتوريات في قمع شعوبها أو إثنيات تنتمي إليها ضد إثنيات أخرى، أو في دعم سلطات غير شرعية وقانونية في الحرب على السلطة المعترف بها دولياً، كما حدث في سيطرة مُسمى قيادة ميليشيا جيش الشرق الليبي على منابع النفط وموانئه، وبحشد هجوم مدعوم بميليشيات دينية سلفية وقبائلية من الغرب الليبي على العاصمة طرابلس .
ففي مقابلته مع قناة «ميدياست» الإيطالية صرح وزير الخارجية الروسي مسبباً وجود مرتزقة فاغنر مُخففاً وطأته في دولة مالي على الساسة الفرنسيين بأن الوضع الذي تطور في ليبيا، ألزم دعوة هذه الشركة العسكرية الخاصة من قبل السلطات في مدينة طبرق حيث مقر البرلمان الليبي، مقارنا وضعهم في مالي كما في الشرق الليبي بأنهم هناك على أساس تجاري .

واضح من التصريح أن وكالة "المرتزقة" الروسية "فاغنر" هي ألعوبة تعمل في ليبيا مشتراة بالمال لتنفيذ أغراض خليجية متضادة في لعبة تحكمها فقط المنافسة في لعب دور موهوم في السياسة الشرق أوسطية. فوزير الخارجية الروسي نفى تبعية "الفاغنر" رسمياً لحكومته، ولم يحدد المشروعية الليبية والدولية لسلطات طبرق التي استدعتها، وأن هده القوة المرتزقة المعززة بمقاتلين محترفين بعضهم قادرون على قيادة الطائرات الحربية كما بين هجومهم على العاصمة طرابلس 2020 ـ 2021 ومدججون بالأسلحة من مخازن الجيش الروسي بأن وجودهم لغرض تجاري لم يحدد حتى طبيعته التجارية .

لعبة المرتزقة "فاغنر" استدرجت أيضاَ رئيس الحكومة الموازية المكلفة من مجلس النواب، لإزاحة الحكومة الشرعية باسم الوحدة الوطنية بأن يطالب القادة البريطانيين بمساعدة ليبيا في إخراج عناصر مجموعة «فاغنر» الروسية من ليبيا، معلنًا رغبته في «شراكة استراتيجية» مع بريطانيا قائمة على الأعمال والأمن والاستخبارات المشتركة.

ففي مقال نشره في جريدة «تايمز» البريطانية، كتب المدكور، مقرراً حاجة ليبيا إلى دعم بريطانيا في مواجهة التدخل الروسي، مثلما هي حاجة أوكرانيا، فليبيا تواجه اليوم واحدة من أصعب المعارك حتى الآن. وبينما تقاتل القوات الأوكرانية روسيا بالصواريخ البريطانية، فـ "إننا" في ليبيا نخوض المعركة نفسها.

حمى اللعبة أنست رئيس الحكومة الليبية الموازية أن حكومته مكلفة من برلمان طبرق العاطل عن العمل، والمنتهية صلاحيته مند سنوات، وأن هده الحكومة جاءت عبر تسوية مع مُسمى قيادة الجيش الليبي، بعد عداء، بل مواجهة في العاصمة طرابلس بين حكومة الوفاق التي تبوأ فيها منصب وزير الداخلية، بل قاد ميليشيته الجهوية ضد ميليشات مسمى قيادة الجيش الليبي المدعومة بقوة مرتزقة "فاغنر" الروسية .

وقد تجاوزت وعود رئيس الحكومة الموازية المزعوم بطرد مرتزقة فاغنر الروسية إلى مشاركة ليبيا في جهود «إبعاد العالم» عن النفط الروسي.. فليبيا لديها الكثير من الإمكانات. والاحتياطيات النفطية المؤكدة في أفريقيا، وبمجرد استعادة تشغيل المضخات، ستساعد حكومة الاستقرار المسماة من برلمان طبرق الخاضع لمُسمى قيادة الجيش الليبي في إبعاد العالم عن النفط الروسي.

وأنا أكتب مقالي عن عبثية لعبة المرتزقة فاغنر والتلاعب السياسي بها، أتت على بالي ذكريات بحث تخرجي من قسم الفلسفة عام 1978 من كلية آداب الجامعة الليبية في بنغازي، حيث بين ألبير كامو: أن من يشعر باللامعقول يرتبط به أبدا" فالإنسان عنده قد يشعر في لحظة نادرة من لحظات حياته أن كل مافي الوجود غير معقول؛ وسيحاول التخلص أو الفرار من العالم، خصوصا وهو يدرك أن هذا العالم من خلقه هو. وللتدليل يستقريء مواقف اللامعقوليين، فيجدهم جميعا يلجأون إلى الفرار... و يأخذ عليهم التجاءهم إلى "الوثبة" في الوقت الدي كانت الأمانة تقتضي عندهم الوقوف على اللامعقول، وإلا كان ذلك منهم تهربا وتحايلا. إن الواجِب في رأيه إذن هو الإصرار على الوقوف عند اللامعقول، وألا ينساق الإنسان وراء السراب الذي يصوره له إغراء الفرار، ومن أجل هذا يقلب كامو العملية، فبعد أن كان السؤال عما إذا كان للحياة من معنى حتى يحياها الإنسان؟ أصبح وكما قال: كلما خلت الحياة من المعنى كانت أخلق بأن يحياها الإنسان!. وهنا يقصد كامو أن على الإنسان أن يقر بأن الحياة، وفي وضعنا السياسة التي نحن منقادون لها، خالية من المعنى، ثم يكيف موقفه منها.