Atwasat

كل عيد أنتم العيد

أحمد الفيتوري الثلاثاء 03 مايو 2022, 02:12 مساء
أحمد الفيتوري

(إذا كان الحب أن لا تعرف شيئا، فالعيد أن تعرف الحب)
العيد يباغتني دائما، ما أنتظر يأتي على غير ميعاد. عند الطفولة جريت على الأقدام لاستقباله، فوجدتني مفردا عن صخب العيد. في طفولتي تلك، أجوب البيوت بيتا بيتا معيدا على الكبار، ثم راجعا إلى البيت ناسيا طفولتي، في صخب الكبار المحتفين بي. جدتي تأخذتي في كترها تلفني بردائها، وفي عبق عطر عيدها أدوخ، أرجع من عندها ناسيا هدايا العيد والحلوى ما تخصني بها. ومن الكبار أجد في جيوبي نقودا أظنها كثيرة، في دكان "سي بوقباعة" آخذ في شراء البخت، ثم أفتح اللفة: ما أجده أمنحه لطفل يصغرني لا نقود لديه، وكذا اللفة الأخرى فالأخرى، حتى يصعقني خواء جيوبي من النقود، ما كنت أظنها تلد. كنت أيضا أطارد بختي، ما لم يرضِ طفولتي، فما بال شيخوختي: يا ريت منو مديت ايدي وسرقتك حبيبي...

العيد كل عيد، يمر علي وأنا أنتظره ولا أنتبه، العيد الصغير، العيد الكبير، عيد الشجرة وحتى عيد الحب ما كرست العمر في مقامه. فكل عيد ميلاد كان في انتظار العيد، العيد ما يباغتني أتلصص من ثقب الزمن وثقوب المكان، يمر بي دون أن أفطن لتمهله عساني ألحق به، ما يتركه في ننّ عيني جماله وفي حبة القلب حبه، كذا يمر العيد فيتركني كل مرة، حتى هذه المرة القادمة.

عيد الطفولة مثلما كل أعيادي، ما ذهبت مني دون أن أشعر. كان حبي العيد يسكرني حتى أدوخ عن حبيبي العيد!، منذ الطفولة الأولى وكذا اليوم، أنا والطفولة التي لم نتفارق، منذها وكذا الغد العيد يسبقني، أراه في عيون من أحب، ينبثق من ابتسامتهم، ثم يخرج لي لسانه عابثا، فأنسي أني في انتظاره.

ذات عيد أول الستينيات ألبسوني، عن غير كل أصدقائي، بدلة ناصر العسكرية، أول ما خرجت بها طيرالريح قبعة البدلة. عاجلا وجدتني أمي في غرفتها عاريا، حرنت حتى ألبستني بدلة العيد الماضى، عذري أن البدلة الجديدة هي ما ذهبت عني، وأن قبعتها طارت مع الريح. لم يصدقني أحد طبعا، لكن هذا ما حدث لي، واكتفيت أن صدقت نفسي، كما اكتفيت ببدلة عيد مرّ.

يدوخني العيد كل عيد... ذات عيد: في الطفولة الثانية عند مقبل الشباب، اندسست في رواية "الشيخ والبحر"، عسى أن يدلني "أرنست همنجواي" على العيد، ما فاتني أكثر من مرة. لقد صعق أبي: أني في العيد؟ في العيد أحتفي بورق ملطخ بحبر أسود، وبخني بدهشة من لا يعرف مصابي. في مرة قبلها: كان المكان الذي أردت مقابلة العيد فيه، صبيحة العيد، "عودة الروح" رواية "توفيق الحكيم"، أول ما طالعت من كتب، كان في العيد الصغير لما كنت في سنة الشهادة الابتدائية.

لم يعرف الأهل وأهلهم الحلوى، باستثناء كعك العيد والغريبة. ويمتاز الأطفال بـ "حلوة شكار وحلوة الديك"، ما كنت استبدلهما بلفة البخت التي يبيعها "سي بوقباعة". لم يحالفني الحظ أن أعثر على بختي منذئذ، كما لم أكف عن مطاردة العيد. دخلت السينما في دار عرض "الاستقلال" ببنغازي، ومن بين حشد هائل من الأطفال، تمكنت من شراء تذاكر، رفقة أخويَّ الصغيرين، شاهدنا "عنتر بن شداد"، فيلم وحش الشاشة فريد شوقي وكوكا "عبلة". ركبنا القوارب، التي تحمل الأطفال في جولة بحرية، قرب ميناء المدينة. ثم كل عيد لا يصح العيد، دون زيارة البوسكو "حديقة الحيوان".

لأجل أن أطال العيد، اخترعت طرقا عدة وسبلا، فمثلا لا أعرف بالتحديد تاريخ ميلادي، حيث لم تهتم سجلات البلديات في البلاد بذلك. لكن نجحت في معرفة ما أعتبرته يوم ميلادي، وقد أكون أول من احتفل بعيد ميلاده بين كل أصدقائه، باستثناء واحد هو المرحوم "عثمان منصور"، من كان يعرف يوم ميلاده، فقد سجله والده الأمي في مفكرته الخاصة؟. وقد أقمنا معا حفلا، كان فيها أصدقاء وصديقات، رقصنا فيها على أنغام أغان أجنبية مشهورة كـ "Far Away" لليوناني "ديمس روسس". الطريف في عيدي ميلادي هذا، أهديت أنا هدية لفتاة أحببتها حينها: ديوان "قصائد متوحشة" لـ "نزار القباني"!.

العيد لا يصح إلا جماعة، فكان ينزلق منى فلا جماعة لي. كذا العيد كالحب لا ينتظر أحدا، فإن لم تباغته باغتك بالنأي عنك... فخذ العيد بقوة، وكل عيد أنتم العيد.