Atwasat

زمن (كاليميرا) الجميل

محمد عقيلة العمامي الإثنين 02 مايو 2022, 02:16 مساء
محمد عقيلة العمامي

في عدد الشرق الأوسط يوم 7/ 9/ 2016 كتب بكر عويضة في عموده اليومي قائلًا: تكرّم الأديب الليبي رجب الشلطامي فعقب بما يلي: «... وما زال لك فيها أصدقاء يقدرون ذلك ويحترمون تلك الأيام». وردت تلك الكلمات تعقيبًا على ما تضمنته مقالتي هنا الأربعاء الماضي تحت عنوان: «ليبيا.. مأساة لم تنتهِ». وتعود علاقة الأستاذ رجب الشلطامي بكتاب جريدة الحقيقة التي كانت تصدر في ستينيات القرن الماضي من بنغازي سواء العرب مثل الأستاذ سمير عطالله وبكر عويضة، أو الليبيين مثل صادق النيهوم وخليفة الفاخري وعبدالله دغمان، ومحمد علي الشويهدي وعلي فهمي خشيم ومحمد الشلطامي وأمين مازن وسالم الكبتي وعبدالرازق بوخيط وغيرهم كثيرين.

كانت «الظاهرة النيهومية» مثلما اصطلح بعض النقاد على تسمية زمن كتابات صادق النيهوم، وتأثر الكتاب الليبيين بها، وأذكر أن أحد رفاق سنتي الأولى في الجامعة كتب في بحثه جملة تقول: «وكان هناك (ثمة) آراء ..» فجعل الدكتور عبدالقادر القط من هذا الخطأ محاضرة، تناول فيها أسلوب النيهوم وأسهب في توصيفه وبلاغته، ونبه إلى تقليد قد يأخذ المقلدين إلى أخطاء لا تليق بطلبة اللغة العربية في الجامعة، كهذا الخطأ، وتحدث عن أسلوب النيهوم مؤكدًا أنه بليغ ومتميز. ولا أخفي أننا تعلمنا منه مفردات لم ننتبه إليها إلاّ من بعد أن كتبها النيهوم.. ولقد عاصر النيهوم كتّابٌ لم يتأثروا، أو بمعنى أدق لم يكتبوا، لا بأسلوبه، ولا بمفرداته، منهم على سبيل المثال الأستاذ محمد علي الشويهدي، الذي ينتقي مفرداته البليغة، وصوره الجميلة ودقة انتقاء مفرداته. رجب الشلطامي، أيضًا الذي حافظ على بلاغة الأسلوب الكلاسيكي، الذي لم يتأثر ولم يقتبس من مفردات صادق النيهوم وتشبيهاته؛ بل حافظ على أسلوبه السردي، محافظًا على دقة الوصف. أما الراحل خليفة الفاخري، فليس هناك ما يربط كتاباته بما يكتبه الكاتب الكبير صادق النيهوم كل منهما له فكره ولغته.
أكاد أجزم أن هذا الجيل يستغرب من شخصية الحاجة (قسامي) بل لا يصدق أن مثلها كان يعيش بيننا وقت كتابة قصتها - يحكى أنه - في مجموعته (الخروج من عين الإبرة) التي صدرت سنة 2008، والتي أكرمني بإهدائها إليّ يوم 16/ 6/ 2008. ولو أنها أضيفت إلى رواية الأستاذ محمد علي الشويهدي القصيرة (السوق القبلي) لتماهت مع شخصيات تلك الرواية، فلقد تزامن جيل الكاتبين وتشابهت بيئتهما، وكتبا معًا في زمن واحد في الحقيقية وفوق ذلك ما زالا رفيقين.

الكاتب في الغالب ابن جيله، وقصصه بالضرورة بنات جيله. في قصته (الرصيف)، وهي ضمن المجموعة القصصية التي أشرت إليها، لا أعتقد أن أحدا من هذا الجيل، يعرف ما طلبه بطل القصة، عندما قال مشيرًا إلى رف خلف البائع:
- «كاليميرا، أعطني واحده يا خواجة..». وبالتأكيد لا يعرف لماذا قال الخواجة:
- «آسف حبيبي ممنوع، فيه أوامر كده.. ».

فلا أحد من هذا الجيل يعرف أن البيع والشراء كان في محل خمور، في بنغازي، وأن الخواجة هو في الواقع يوناني، وأن رفض البيع هو في الواقع مزاجي باعتبار أن المفروض ألا تباع الخمور للمواطنين وإنما للأجانب فقط. وذلك كان يحكمه قانون في العهد الملكي! وأن الخواجة غير رأيه من بعد أن باع كمية لصاحب السيارة الذي يبدو أنه نافذ!

وقد لا يعرف قاريء هذا الجيل أن الخمور كانت تباع رسميًا وعلنيًا في طرابلس باعتبار أن الإيطاليين كانوا مواطنين من العهد الإيطالي وتمنح لهم التراخيص ببيعها ولكن بعدما أرادت الدولة أن يطبق هذا الأمر في برقة، رفضه مفتي الديار الليبية باعتبار أنه لا يجوز تحليل ما جرمه الله، وبالتالي ترك الأمر على ما هو عليه. ولذلك تصور الكاتب للقصة حقيقي.

قصص المجموعة كتبت 23 أغسطس سنة 1969 و14/ 7/ 2007 وجميعها في الواقع توثيق لتلك المرحلة، فلقد كتبت بعين شاهد عيان لتلك المرحلة وبأسلوب توصيف واضح وصريح ومباشر، شأن السرد في ذلك الزمن الذي ما زال جيلي وجيله يرى أنه جميل.

بقي أن أعترف أنني استمتعت بأقاصيص تلك المرحلة، التي عدت إليها من عين الإبرة، وابتهجت أنها من إبداع زمني الجميل، وأنها ظلت هناك منذ سطر لي في أول صفحاتها إهداء كتب فيه: «الأستاذ محمد العمامي .. أرجو أن تجد في هذه المجموعة ما يثير الاهتمام .. ومهرها بتوقيعه يوم <<16/ 6/ 2008». نعم وجدت بهذه المجموعة ما يثير الاهتمام، فلقد عادت بي إلى زمن (كليميرا) الجميل. وسوف أكتب عنه، بعون الله، لاحقا.