Atwasat

نقاش

صالح الحاراتي الخميس 21 أبريل 2022, 01:43 مساء
صالح الحاراتي

لا شك أن العالم أصبح عالماً واحداً، او بالتعبير المشهور "قرية واحدة" وقد تمّ ذلك عبر لقاء بني الإنسان عبر تطور شبكات التواصل والمعلوماتية الإنترنت؛ والاقتصاد المعولم عبر اتفاقية التجارة العالمية كرهنا أم أحببنا، وبفعل ذلك نتج عالم متمازج مختلط، وصار من الصعب إغلاق أبواب التداخل والتفاعل بين ما هو ذاتي داخلي وما هو خارجي وافد، وصار ما يسمى بالخصوصية أمرا في غاية الصعوبة، خاصة إذا أضفنا عاملا آخر يتمثل فى تقليد المغلوب للغالب كما أشار ابن خلدون "أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته و سائر أحواله وعوائده".. ولذلك يحدث التمازج بين الثقافات، وهي نتيجة تبدو حتمية لعالمنا الجديد الذي نعيشه اليوم، ربما اقترابا من عالم بلا هويّات وخصوصيات إلا في حدها الأدنى.

ما لفت انتباهى لما سبق هو ما ألاحظه في أكثر أحاديث الناس هذه الأيام. إذ يتم تناول أحداث بعيدة عن جغرافيتنا، كالحرب في أوكرانيا وتأثيرها علينا وعلى العالم بأسره، وما سببته من نقص في إمدادات الطاقة والطعام، كما لا تخلو أحاديثنا من أحداث عالمية أخرى،
محادثات أمريكا وإيران حول البرنامج النووي الإيراني.. أحداث كازخستان.. تركيا وأزمتها الاقتصادية رغم بروزها كقوة إقليمية مؤثرة.. انعكاس موقف فرنسا من أفريقيا وأفول نجمها هناك، إلخ.. جزر الكوريل اليابانية المحتلة من روسيا.. تايوان ورغبة الصين فى عودتها لها.. إلخ.

لست متيقنا من أن هذه الأحاديث تأتي من قناعة بدخول العالم مرحلة العولمة أم بسبب عجز المتحاورين عن وجود حلول لمشاكل الداخل فيلجأون إلى تناول أحداث الخارج.

شرفت بحضور العديد من الجلسات الحوارية وعلى مختلف المستويات، ولكني ألاحظ بوضوح تلك الثقة الكبيرة حد اليقين التي تعتقدها الأطراف المشاركة في أي نقاش وحجم المعلومات الكثيرة التي بحوزة المتحاورين الخاصة بجغرافية وتاريخ وإمكانيات الدول التى يتحدثون عنها، رغم ظني أن مصدر معلوماتهم على الأغلب من الفضائيات "وأن كثيرا منها ربما كان منحازا أومغلوطا"، ولكن الثقة المطلقة لكل متحدث في صدقية ما عنده يفوق أي احتمال بعدم صدقيتها.. وإن شكك طرف في ما لدى الآخر تمر لحظات من التشنج وعلو الأصوات والحمية ثم تتبعها لحظات هدوء مؤقتة لتعود مرة أخرى للشد والجذب.. وهكذا.

والسؤال هنا، هل تلك المعلومات العامة أكبر وأكثر أهمية من معلوماتهم عن اسماء وأماكن حقول النفط الليبية (مصدر دخلنا) مثلا ؟. وهل حجم معلوماتهم عن "تمنهنت والغريفة واجخرة" جنوب بلادهم، يعادل معلوماتهم عن أوكرانيا!!؟. وماذا عن عدد السكان لدينا بشكل دقيق أو ماذا عن عادات أهلنا فى القارة المسماة ليبيا. هل هو بحجم وكم المعلومات عن البلاد الأخرى، هذا دون توجيه السؤال المهم: هل أحاديثنا تشمل "التفكير في البحث عن حلول نواجه بها أوضاعنا السياسية المأزومة؟".

حدثنى يوما أحد الأصحاب ساخرا أن المواطن الأمريكى لا يعرف أين تقع النرويج او ما هي عاصمة فنزويلا! فقلت له وما العيب في ذلك، الحقيقة أن ذلك المواطن لا يفكر إلا في ما يتعلق بمصلحته، أي عمله ومستقبله، أما نحن فنعرف حتى أسماء البدلاء فى أفراد فريق اليوفنتوس ونعرف العواصم والرؤساء والحكام لدول آسيا الوسطى!

نعم، تناول أحداث العالم أمر محمود لأننا صرنا على يقين بتأثيرها علينا، ولكن وجب الانتباه إلى أن هناك من لديه كم هائل من المعلومات، ولكن عندما يبدأ التعامل معها ذهنيا تأتي مخرجات لا علاقة لها بالمنطق، نظرا لأن معلوماته تقع تحت تأثير الوسائط الإعلامية التي استقى منها تلك المعلومات، سواء فضائيات مأجورة أو جيوش وذباب الكترونى!.