Atwasat

فرنسا: هل تقلب ماري لوبان الموازين؟

جمعة بوكليب الأربعاء 20 أبريل 2022, 11:54 صباحا
جمعة بوكليب

يوم الأحد الموافق 10 أبريل الجاري، انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وكما هو مقرر، فإن الجولة الثانية والأخيرة ستكون يوم 24 من نفس الشهر. عشرة متنافسين خرجوا من السباق، لكن أصوات أنصارهم باقية، وقد تقرر لمن سيؤول قصر الإليزيه. الإحصاءات الرسمية، المنشورة في وسائل الإعلام، تقول إن 57% من الناخبين الفرنسيين صوتوا لمرشحين من أقصى اليمين وأقصى اليسار. المتنافسان الرئيسيان على السباق نحو قصر الإليزيه، هما نفس المتنافسين، منذ خمس سنوات مضتْ. الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، والسيدة ماري لوبان. الرئيس ماكرون يتوق للبقاء خمس سنوات أخرى، في ذلك القصر التاريخي، ليكون أول رئيس فرنسي بعد قرابة عشرين عاماً، ينتخب مرّتين متتاليتين. السيدة لوبان، تتوق إلى أن تكون أول امرأة تمتلك مفاتيحه. ويقول مراقبون ومعلقون غربيون، إن حظوظها في النجاح، هذه المرّة، أثقل وأكثر. فهل تصدقُ التكهُّنات؟

هناك مثل إنجليزي معروف، يقول إذا لم تنجح في المرّة الأولى حاول ثانية. ووفقا لذلك المثل، السيدة لوبان تدخل السباق مجدداً. لكنّها، في حالة هزيمتها يوم 24 أبريل، هل ستترك الساحة نهائياً، أم أنها ستواصل المحاولات؟

أنصار "بريكست" في بريطانيا، مضافاً إليهم أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وقادة وأنصار الحركات والأحزاب الشعبوية في أوروبا، يتمنّون هزيمة الرئيس ماكرون، وخروجه من المسرح. ويبدون استعداداً للترحيب بالسيدة لوبان، كونها تقف على مسافة قريبة منهم، في كثير من القضايا: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. في حين أن قادة أوروبيين آخرين يسكنهم القلق خشية من تحقق ما لم يكن متوقعاً. فهل ستواجه أوروبا خصوصاً، والغرب عموماً، صدمة سياسية من صنع فرنسي، على نحو ما حدث في الثورة الفرنسية عام 1789، لكن في الجهة الأخرى من التاريخ؟

السيدة لوبان ليست غريبة على المشهد السياسي الفرنسي والأوروبي. ومن عائلة متوطدة الجذور سياسياً في تربة اليمين المتطرف. والدها جان ماري لوبان مؤسس ورئيس حزب الجبهة الوطنية (1972-2011)، وهو عنصري، مناويء للمهاجرين والإسلام، والاتحاد الأوروبي، وكان من أوائل المتطوعين للحرب ضد استقلال الجزائر. وابنته تخرّجت من مدرسته، وتبنّت أفكاره المتطرفة، وكانت دوماً إلى جواره، ثم، فجأة، انقلبت عليه، و أمسكت بمقاليد الحزب، وغيرت اسمه إلى التجمع الوطني، وحاولت تخفيف نزعته المتطرفة، بحيث يجد قبولاً شعبياً أكثر يتجاوز دائرته الضيّقة، ويتمكن من توسيع قاعدته الانتخابية، وربما تحقيق الحلم المأمول.

السيدة لوبان، تعهدت بالتدخل لمساعدة الفئات الفقيرة ورفع ضغوط ارتفاع غلاء المعيشة المفاجيء عليهم، نتيجة الحرب في أوكرانيا. كما تعهدت بسحب فرنسا من التركيبة القيادية لحلف الناتو. وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، تراجعت عن موقفها المناويء له، ولم تعد تطالب بخروج فرنسا من اليورو، لكنها تريد استعادة سلطات وصلاحيات المؤسسات الفرنسية من هيمنة بروكسل، ورفعت في حملتها الانتخابية شعار: "أعيدوا إلى الفرنسيين بلادهم.".

ومن خلال متابعتي للحدث الانتخابي الفرنسي، في وسائل الإعلام البريطانية، اطلعت على عدة تحليلات لافتة للاهتمام، نشرها معلقون سياسيون بريطانيون معروفون، يرون أن الانقسام التقليدي ( يمين - يسار) لم يعد معياراً كالسابق في وصف القوى السياسية المتنافسة. و يتفقون على أن الانقسام حالياً هو بين من يطلق عليهم ( العولميون-Globalists) ويمثلهم الرئيس ماكرون، و (الوطنيون أو القوميون - Nationalists) وتمثلهم السيدة لوبان. وكلاهما يشتملان على اليمين واليسار. وعلى سبيل المثال، يشيرون بالأمثلة إلى التقاء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وشعاره الذي رفعه في حملته الانتخابية (أمريكا أولاً) مع منافسه اليساري المتطرف مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية، السيناتور بيرني ساندرز، في موقفهما المضاد للعولمة. كما أن أنصار "بريكست" في بريطانيا ينتمون إلى حزبي المحافظين والعمال، ويلتقون تحت مظلة شعار: (استعادة السيطرة على بلادنا.) وأن الرئيس المجري فيكتور أوربان اليميني كان بمثابة شوكة في خاصرة الاتحاد الأوروبي مع نظيره اليساري المتطرف اليوناني سيريزا، الذي تولى قيادة اليونان، وخسرها خلال فترة الأزمة المالية. بل ويتوقعون أن السيدة لوبان قد تحظى بأصوات ناخبين من اليسار الفرنسي المتطرف بعد خسارة مرشحهم وخروجه من السباق. وهذا بدوره يفضي إلى انقسام فرنسا إلى اثنين: عولميين وقوميين أو وطنيين. أو بالأحرى بين نخب في المراكز الحضرية ليبرالية تدعو لاستمرار انفتاح فرنسا وبين غيرهم من الفرنسيين ممن يقيمون بالأقاليم ويعانون من تجاهل باريس لهم.

الأولون يدعمون الرئيس ماكرون لغيمانهم بضرورة التغيير لمواجهة التحديات التقنية والاقتصادية. في حين أن الآخرين يعادون الهجرة، والتغيير، ولا يخفون كراهيتهم للرئيس ماكرون وما يمثله، ويصفونه بالمتعجرف.
فهل تفعلها السيدة لوبان، هذه المرّة، وتقلب الموازين، وتعيد تركيب المعادلة السياسية في فرنسا؟