Atwasat

جنون الهجرة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 19 أبريل 2022, 11:36 صباحا
أحمد الفيتوري

عند حدود بولندا مع أوكرانيا، احتشد المُهَجرون من ديارهم، ومن جامعاتهم وأعمالهم، حيث وقف البوليس البولندي، ليفرز الأغنام البيضاء عن السوداء، وقبل هذا الفرز، كان نفس البوليس يُغلق الحدود، في وجه مُهجرين، جلبوا إلى الحدود مع بيلاروسيا.

هذا الفرز تطاير شرره عبر الميديا فحسب، وحتى ذلك كان على هامش الأخبار، ومثلا لم يقلق غوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة. لكن تدفق المهجرين الأوكرانيين، كان نصب عين الأمين العام، وكل الأمم المتحدة. وهذا الأمر، يلاحظه غير المهتم بشأن الهجرة والتهجير، لكن قد لا يلاحظ حتى المهتم، أن مسألة خروج البشر عن أوطانهم، ليست بدافع ذاتي، أي هجرة رغبوية، بل الحق أنها حالة تهجير بالغصب والقوة.

هذا في دول كسوريا وأوكرانيا، من غاصبهم مشترك هو الاتحاد الروسي وزعيمه بوتين، فيما المُهجر من العراق وأفغانستان، غاصبهم الولايات المتحدة وزعيمها الحالي بايدن، لكن أي من الزعيمين لن يعترف بذلك. إذا هناك مهجرون بقوة السلاح، في الدول ما ذكرنا، لكن بالمقابل هناك آخرون مهجرون بقوة الأوزون، وهم على الخصوص من قارة أفريقيا.

لكن في الحالتين، التهجير يقابله صراع أوروبي، ما خلفيته أن نُعتت أوروبا بالقارة العجوز، وذاك النعت، ليس مسألة مجاز أدبي، بل حقيقة جعلت طرفا أوروبيا، يستعيد مرحلة ما بعد الحرب الأوربية الكبرى الثانية،عند قيام الولايات المتحدة، بإعادة الإعمار في أوروبا، عبر ما عُرف بمشروع مارشال، ما كان احتياجه شديدا، إلى أيدي عاملة شابة، التي تم طحنها وإفناؤها في تلكم الحرب.

هكذا اضطرت أوروبا ما بعد الحرب، إلى فتح الحدود، فممارسة الإغواء لشباب مستعمراتها وغيرها، من تدفقوا للعمل وإعمار أوروبا، في ألمانيا مثلا كان المهجرون من تركيا، فيما أغلبهم في فرنسا من المغرب العربي. مرة ثانية القارة العجوز، بحاجة ملحة لعمالة شابة، هذا الاحتياج أجج الصراع السياسي والحزبي في أغلب أوروبا.

وقيل أن ذا الصراع وراء حالة انتشار الرؤية اليمينية المتطرفة، ما لُبها تعصب قومي، وكُره للآخر خاصة غير الأبيض، ثم روح حربية عدوانية. ما في الساعة يمكن مشاهدته، في الحرب الأوربية الروسية الأوكرانية، أو المصارعة الحرة في انتخابات فرنسا، بين وسط اليمين ماكرون، وأقصي اليمين السيدة لوبان.

وفي هذه اللحظة الاستثنائية، تفاقم جنون الهجرة في القارة المركز، ما هي قارة جاذبة بالضرورة لقوتها الاقتصادية وشح شبابها، كما توكد كل المقاربات، فتشير كل المعطيات إلى أن التهجير كما هو حاصل حروب، هو أيضا حاصل عملية جذب، العملية المسكوت عنها، بسبب من الأسباب: أنها دافع من دوافع الانقسام السسيوسياسي في أوروبا، وحتى الولايات المتحدة، ما هي الوجه الآخر لقارة أوروبا. أما الوجه الآخر للتهجير، فهو الحاصل من الدول التي تُنعت بالنامية، ما هي مغصوبة على هجرة أبنائها، ما يمثل نزفا حادا، لإمكانياتها البشرية الفاعلة والضئيلة.

هكذا هناك مسألة مستبعدة من النقاش، أو تسليط عليها في غير المراكز البحثية، أن من يهاجر غصبا أو برغبته، لابد أن يكون من الفئة القوية: المالية أو العقلية أو الجسدية، أو أن يجمع الفرد بينهم أو اثنين منهم. فلا يستطيع الهجرة من لا يملك ذلك، وهكذا يتم استنزاف بلاد المهجر، كما يتم زيادة دماء الدولة المهجر اليها. أما دول العبور، فإن المهجرين حين يمرون بها بردا وسلاما، يمنحونها قوة شرائية، وحتى سياسية، كما متاجرة أردوغان بقوة المهاجرين مع أوروبا، وخاصة في حربه مع الجارة اليونان.

وقد يمنحونها رأسمالا مهربا، كما حصل من قبل العراقيين، الذين نزحوا إلى الأردن، لكن أيضا قد يفاقمون أوضاع البلاد مثل لبنان وليبيا.

إن الهجرة حقيقة بشرية، تحدث منذ ظهور ما قبل الإنسان الحالي، وتحدث كلما ساء وضع الإقامة، أو توفر مكان آخر مغوٍ بالهجرة إليه.

وفي تاريخ البشرية، هناك حادث مفارق في مسألة الهجرة، أن حضارة ودينا قام على مبدأ الهجرة واللجوء، هذا الدين هو الإسلام، ما يؤرخ أتباعه بالهجرة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة. وتقريبا ذلك ما حدث، مع كل الأديان والحضارات، حتى أن الدولة الأقوى، منذ الحرب الكبرى الثانية، الولايات المتحدة، هي دولة المهاجرين.

عليه ليس من مبرر لجنون الهجرة، المصابة به الولايات المتحدة وأوروبا. الحقيقة أن الجنون، يرتع في سهوب الأرض، ما ينبثق من مركزها الحالي أوروبا، ومع غزو روسيا لجارتها أوكرانيا، علا ثغاء حملان الأرض، فقد أظهرت الحرب الأوروبية إلى جانب جنون التهجير، جنون القمح، جنون النفط، جنون الميديا، خاصة وأن رأس الحربة جنون بوتين الدب الروسي، المرادف لجنون هتلر، لكن ليس في الزمان ولا المكان، وعلى ذلك فالعالم في ساعة جنون، لكنه لم يبدأ الساعة.