Atwasat

محاولة في "الاستراتيجية العشرية"

رافد علي الخميس 14 أبريل 2022, 03:22 مساء
رافد علي

تظل تغريدة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على تويتر التي نشرها بعد زيارته القصيرة، نهاية الشهر الماضي، للجارة الجزائر، من الأشياء الغامضة، إذ تنصب على ما أسماه "الاستراتيجية العشرية لمنع الصراعات وتعزيز الاستقرار". فالتغريدة، كتصريح سياسي، غير مفهومة، لأنها لم تكشف عن تفاصيل، أو توضح موقفا سياسيا لواشنطن حيال صراعات المشهد الليبي وركوده، خصوصاً وأن التغريدة جاءت فى ظل الحرب الأوكرانية وتبعاتها على قضية الطاقة، وبحث الاتحاد الأوربي على مصادر جديدة للطاقة تغنيه عن الغاز الروسي.

المبعوث الأمريكي لليبيا والسفير المعتمد لديها، ريتشارد نورلاند، في بيانه المرحب بـ "الاستراتيجية العشرية"، لم يأتِ بتفصيلة تكشف عن الغامض في تغريدة رئيسه بلينكن، لكنه أشار إلى أهمية الرعاية الأمريكية بجعل ليبيا في مجالات السياسة الأمريكية عبر ربطها باستراتيجيات واشنطن في جغرافيات مختلفة ومتباعدة عن بعضها، كهايتي والموزمبيق وساحل إفريقيا الغربي وغينيا الجديدة "بابوا"، وكأن الساحل والصحراء، العمق الاستراتيجي لليبيا وجوارها، ليست ذات أولوية أمنية وسياسية!.

لا شك في أن تغريدة بلينكن بعد زيارة الـ 6 ساعات للجزائر قد نبهت اهتمام المراقب للشأن الليبي إلى أن الزيارة تتجاوز موضوع الطاقة كقضية لأنصاره في أوربا، خصوصاً بعد رفض الجزائر تمديد عقد خط الغاز ميدغاز، المار عبر المغرب لأسبانيا بسبب التصعيد الأخير بين العواصم الثلاث بخصوص قضية البوليساريو. فالمتنافسان توتال انرجي، وإيني الإيطالية كثفتا من اتصالاتهما مع كل من توفيق حكار رئيس السوناتراك الجزائرية، ومصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فى ليبيا، وما تمخض عن هذه الاجتماعات لوضع خطط ومشاريع عمل قريبة لأجل تأمين الطاقة لأوربا مطلع الشتاء القادم على أقصى تقدير، رغم المشاكل التقنية التي تواجهها مؤسستا الطاقة فى ليبيا والجزائر.

أمام غموض "الاستراتيجية العشرية... لأجل بناء القدرة على الصمود." كان الرئيس الجزائري واضحاً في الكشف لضيفه بلينكن عن ضيقه من استمرار الأزمة الليبية وفوضاها، ولم يخف اشمئزازه- بحسب ما يفهم من بيان القصر الرئاسي الجزائري-، من أرباب المشهد الليبي لكونهم لم ينجحوا في إجراء انتخابات بعد، بل إن الجزائر، لاحقاً، بادرت بشكل غير مسبوق عند استضافتها وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، بالإعلان عن استعدادها لتنظيم الانتخابات الليبية، تماشياً مع فكرة الجزائر بأن "ليبيا يمكن بناؤها من جديد بشرط إجراء الانتخابات.".

الجزائر التي صار دستورها يخولها اليوم "إرسال" قواتها خارج حدودها، وتعتبر أولى الدول التى انخرطت في عسكرة الحدود مع ليبيا منذ اندلاع الفوضى بالبلاد، عبر نشر "50 ألف عسكري" كما يرى علي الوحيشي فى دراسته حول دور الدبلوماسية الجزائرية فى حل الأزمة الليبية الراهنة [مجلة الدراسات القانونية والسياسية عدد 5]، تظل كجارة تعاني تداعيات تأزم الداخل الليبي وأبعاده على قضية الطوارق، القابلة للانفجار في أي لحظة، فطوارق الجزائر في الهقار وجانت وتمتراست وأدرار مرتبطون بالطوارق في مالي وحركة ازواد، إلى جانب قضية الممر الحدودي بينها وبين ليبيا والنيجر، والمعروف شعبياً بممر السلفادور، الذي تستخدمه شبكات التهريب والإرهاب، مما يزيد من كلفة مراقبة الحدود، في ظل غياب نجاعة ليبية على طول الشريط الحدودي الذي يصل ل1000كلم2. إلا أن الجزائر لازالت تصر على عدم التدخل في الشأن الليبي، فعقيدتها الأمنية لم تتبدل، رغم التعديل الدستوري في المادتين 31 و95 المتعلق بجواز إرسال الجزائر قواتها خارج حدودها، ويعزز الجزائريون جدليتهم بعدم رغبتهم فى التدخل فى شئون الغير بان التعديل الدستوري صارم الشروط لتحققه، فهو يتطلب أن يكون "فى إطار المشاركة فى عمليات حفظ واستعادة السلام"، و "تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية"، إلى جانب شرط "المصادقة البرلمانية"، فالجزائر لازالت تؤكد على أن العقيدة العسكرية للدولة لم تتغير، بل إنها تتجه نحو "دمقرطة المؤسسة العسكرية"، بحسب مجلة الجيش التي تصدر عن وزارة الدفاع الجزائرية "عدد يونيو 2020" إلا أن الباعث الواقعي من تعديل الدستور الجزائري المتعلق بإرسال قوات عسكرية للخارج كان كشف الدولة الجزائرية ومؤسستها العسكرية عن أنيابها إبان هجوم حفتر علي طرابلس، " الذي يعتقد أنه ما كان لينفذه لولا انشغال الجزائر داخلياً بالأزمة السياسية التى خلقتها استقالة الرئيس بوتفليقة... تحت ضغط حراك 22 فبراير الشعبي." بحسب الدراسة الاكاديمية: الموقف الجزائري من الأزمة الليبية: بين التغيير والاستمرارية الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. يوليو 2020.

مع تغريدة بلينكن المفتوحة على احتمالات عديدة ضمن "استراتيجية عشرية" لازالت غير مستوعبة تماماً، وأمام إعلان الجزائر استعدادها لتنظيم الانتخابات الليبية كخطوة لحلحة الأزمة سياسياً لكسر حالة الجمود فيها، يصعب بمكان القبول بفكرة أن الجزائر ستتدخل بالقوة، وبمباركة أمريكية، للدفع بفكرة الانتخابات لطي صفحة الفوضى بليبيا وتبعاتها على المنطقة. فدخول الجزائر لليبيا سيصطدم بالروس، الداعم الأول لحفتر بشرق البلاد، والشريك الاستراتيجي للجزائر على مدى عقود. يظل أنه من المحتمل أن يكون كل ما قصده بلينكن في تغريدته هو مجرد إضافة ليبيا، بأزمتها وقلاقلها، إلى مجموع تلك الدول "الهشة" ضمن استراتيجية مساعي واشنطن لحلحلة ما يمكن حلحلته وفق واقعيتها، ووفق مدى توفر إرادة ساسة المشهد الليبي المتوزعين على أقطاب المنطقة العامرة بالتناقضات والتنافس بين عواصمها.