Atwasat

التخريبة الدائمة

نورالدين خليفة النمر الخميس 14 أبريل 2022, 03:20 مساء
نورالدين خليفة النمر

مافتيء الموقف الموّحد لردود الفعل الدولية، إزاء العدوان الروسي على أوكرانيا، يؤتي مفعوله، عبر قرارات حاسمة تقودها أمانة الأمم المتحدة، آخرها قرار الجمعية العامة للمنظمة الدولية، القاضي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع لها. وهدا التعليق الدي صدم موسكو أظهر واشنطن ودول حلف الناتو، ومعظم بلدان العالم، بأنها حسمت موقفها، بالعمل السياسي والدبلوماسي ليس فقط بفرض عقوبات اقتصادية ومالية موجعة لروسيا، بل قرار عزلها عن النظام الدولي، على غرار المعاملة التي نالتها في الحرب الباردة، فلن تجد روسيا التي أبان عدوانها على أوكرانيا ضعفها في رسم إستراتيجية عسكرية وسياسية واضحة وفعالة، سوى خيارات قليلة عبر الضغوطات والابتزازات لمفاقمة تحديها للنظام الأمني العالمي. وهدا ما بينته المناورات الاستباقية لجلسة التصويت لتعليق عضويتها في المجلس الدولي لحقوق الإنسان. الضعف الدبلوماسي والسياسي لمندوبيتها في المحفل الأممي ألجأها إلى تحذير الدول الأعضاء بلغة تعوزها الحصافة والدبلوماسية من أن "موافقتها أو حتى مجرّد امتناعها عن التصويت على قرار تعليق عضويتها سيعد بادرة غير ودية لها عواقب على العلاقات الثنائية".

الدول العربية التي امتنعت عن التصويت، أضمرت التهديد الروسي، وعبرت بلغة متحايلة تحاشياً للاستنكار الأمريكي والأوروبي لموقفها الموارب من أن مشروع القرار المطروح للتصويت استبق نتائج لجنة التحقيق المستقلة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان. وعبر مندوبوها عن رأيهم بأن القرار خضع للتسييس. اللافت موقف الدول الخليجية التي غالباً ما وصفت بأن مواقفها مصطفة إلى الجانب الأمريكي والغربي. إد تجاوزت مندوبة قطر خطوط التحوّط إلى استرضاء روسيا بنقد مغلف للموقف الأمريكي والغربي بأن قطر تؤمن بالدبلوماسية متعددة الأطراف وحل النزاعات بالطرق السلمية.

في مقال "كسب ليبيا" أدرجنا فقرة من مقال المسؤول الأمريكي جون جيفري وصف هده المواقف المتحوطة للبلدان العربية والخليجية بالذات بأنها ستبقى مترددة في اتخاد موقف علني وصريح بتأييد موقف أمريكا والغرب إزاء عدوان موسكو على أوكرانيا. فهو يرى أن الموقف الخليجي كونه المؤثر عربياً، والمتأثر بمخاوفه من انحياز روسي صريح لإيران ونشاطها الهدّام، سيكون في حالة من الارتباك والتيه إزاء المخاطر الروسية في إمارات الخليج والسعودية، التي تهدد العالم بأسره. ما يخرجها منهما حفاظ الولايات المتحدة على سياساتها الذكية حتى الآن، التي تجعل روسيا تدفع تكاليف اقتصادية ودبلوماسية باهظة إزاء عدوانها.

القضية الليبية منذ 2011 إلى اليوم، أسندت الولايات المتحدة والبلدان الأوربية الضالعة فيها وكالتها بالتمويل بالمال والسلاح إلى التنافس القطري/ الإماراتي.

من الباب القطري نفذت مصالح تركيا، ومن الباب الإماراتي نفذت مصالح فرنسا المنعزلة عن أوروبا، وروسيا. هده الثنائية القطرية /الإماراتية نجحت بملحقيها حتى اليوم في تثبيت الانقسامية الليبية حكومة في العاصمة طرابلس معترف بها دولياً ولها مقعد في الأمم المتحدة، وسلطة عسكرية موازية في ثكنة الرجمة ببنغازي تمرر عبر عملياتها العسكرية وإغلاقاتها النفطية المصالح الفرنسية والروسية في ليبيا.

الموقف الأمريكي والأاحاد الأوروبي، الذي يعمل في خط ثالث، نجح في جذب حكومة الوحدة الوطنية إلى موقف ليبي تمثلة حكومة الوحدة الوطنية عبر مندوبها في الأمم المتحدة بالتصويت لصالح القرار بتعليق عضوية روسيا في المجلس الدولي لحقوق الإنسان. التصويت الليبي أربك موقف بلدان الخليج المتوكلة على ليبيا وأحرجها أمام أمريكا والاتحاد الأوروبي.

تبين التصرّف الروسي المخرّب، عبر الأمارات في إقدام ممثلي مُسمّى القيادة العامة للجيش الوطني باللجنة العسكرية المشتركة «5+5» على وقف كل أشكال التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، ومكوناتها، بل حدّدوا في بيانهم نقاط التخريب.إد طالبوا من مسمى القائد العام للقوات المسلحة بإيقاف تصدير النفط، وقفل الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها، وإيقاف تسيير الرحلات الجوية بين الشرق والغرب. والبيان يعني العودة لنقطة الحرب الصفرية بعدوان ثان على الحكومة الشرعية في العاصمة يذكر بالهجوم المفشل من قبل مُسمى الجيش وميليشياته على طرابلس. ولتلافي رّدة فعل أمريكية إزاء تخريب خارطة طريقها للاستقرار والسلام بما سيمهّد لعقد انتخابات ديمقراطية شفافة وعادلة خلال عام 2022 في ليبيا، خرج الناطق باسم ميليشيات الجيش الليبي نافياً الأنباء المتداولة بشأن إصدار قيادته العامة والحكومة الموازية المكلفة من مجلس النواب تعليمات بالبدء في الإغلاق التدريجي لكل الموانيء والحقول النفطية وأنانبيب الغاز في ليبيا اعتبارًا من صدور البيان.

وراء هدا الموقف العابث مازالت تختبيء فرنسا بغموض مصالحها المنافسة للبلدان الأوروبية غريمتها، وبالخصوص إيطاليا، في موارد ليبيا النفطية والغازية والمعدنية الأخرى. وهدا ما أشار إليه بوضوح تقرير صحيفة «لوموند» الفرنسية مسلطاً الضوء على المفارقة العجيبة التي كشفتها الحرب في أوكرانيا على مناطق أخرى تتواجد فيها روسيا منافسا كـ جمهورية مالي وحليفا كـ شرق ليبيا حيث كان الجنود الفرنسيون و «المرتزقة الروس» في الجانب نفسه في الفترة ما بين العامين 2018 و2020 في الحرب على طرابلس .وختم التقرير رؤيته بأن تحيز باريس لصالح مُسمى قائد ميليشيات الجيش في الشرق الليبي لا يزال قائما، بل إنه يتفاقم بسبب تشابك المصالح المالية بين الرئاسة الفرنسية الراهنة و الإمارات العربية المتحدة.