Atwasat

جنون الميديا!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 أبريل 2022, 12:54 مساء
أحمد الفيتوري

الرحلة الخامسة لسندباد، تحكي أنه التقى بشيخ كبير، في إحدى الجزر، فظن أنه أحد رفاقه، وقد طلب الشيخ الكبير من سندباد مساعدته، فحمله على ظهره، حتى يجتازا البحرالعائق في طريقهما، لكن حينما اجتازاه، لصق العجوز بظهر السندباد، من تبين أن العجوز عفريت، اسمه عجوز البحر، يبقي على ظهر ضحيته، ويمتصه حتى الموت، بعد أن يعجزه عن التخلص منه.
حين كنا أطفالا، حولنا هذه الأقصوصة إلى لعبة، وكنا نعلق: افعل خيرا تلقَ شرا، لكن لما كبرنا، اكتشفنا أنك قد تحمل على ظهرك، ما ليس منه بدّ. فالمسافر في قديم الزمان، كان لابد من أن يحمل قربة الماء على الظهر، وقد تأخذ في التدحرج منه، هذا بالإضافة إلى ثقلها. المهم الاحتياج، يجعل المرء، يقبل حتى ما لا يرغب، ألم يقل العقيد معمر القذافي، في كتابه الأخضر"في الحاجة تكمن الحرية".

بالنسبة إلى الإنسان المعاصر، أضحت الميديا، كما رضاعة الأطفال يمتصها ليل نهار، وهي مصدره الوحيد، حتى إنها باتت كما العرافة العصرية، يبدأ اليوم بما تخبر، وينام على صدى ما تتناقله خاصة العاجل منه، يأكل بناء على نصائحها، ويشرب أيضا، ويمارس الجنس ثم ينام.

لقد أمست الميديا، ليست سلطة رابعة فحسب، بل وكما عفريت سندباد، جنونا لا مخلص ولا طبيب له. وعن هذا كتب هاربرت ماركوز، في كتابه (الإنسان ذو البعد الواحد): "ان الناس يعلمون أو يشعرون، بأن إعلانات الدعاية والبرامج السياسية، ليست بالضرورة صحيحة أو صادقة، ولكنهم عاكفون مع ذلك، على الاستماع إليها، وعلى قراءتها، بل منقادون لها ولإيحاءاتها.".

حتى يكاد ما تجيء به الميديا، أن يكون كلاما مقدسا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

لكن إن كان الخبر أو المعلومة، يأتي من الخصم أو العدو، فساعتها تكون الميديا، كناقل الكفر من هو الكافر!، من تجب محاربته، وعدم تصديقه، حتى ولو كان الصدق ذاته. لكن في كل الأحوال، لا نوم دون متابعة ورصد، لما تأتي به الميديا، سوى كانت من العدو أو الصديق، فالميديا الأكسجين للمرسل كما للمتلقي. والمرسل قد يكون دويلة، يضربها العطش، أما الكهرباء فيها، ترف لا يطاله إلا سادة القوم، دويلة لا تملك من المقومات، غير محطة تلفزيون وراديو، أو دولة توظف مال قارون، كي تكون سيدة الفضاء، وهي لا تملك على الأرض، محط رجل.

فيما المتلقي يكون في الأغلب، كل من يمكن أن يدعم سلطة المرسل، الأقرب ثم القريب فالبعيد...

ومن هذا لم تكن الميديا، أداة وصل وإعلام، بل وسيلة حرب، لمجتمع غايته الحرب والأمن، سواء كانت الحرب مشتعلة، أم يُعد لها لصون الأمن. وفي ذا المجتمع دائما الحياة مهددة، ومن هذا فمن الضرورة، أن تكون الميديا رسولا حربيا، ضد العدو الغاشم المجسد أو الافتراضي. وإن لم يكن ذلك كذلك، فإن الميديا المبشر، حامل رسالة المرسل، ويكون المتلقي مهووسا بالرسالة، لهذا من لزوم ما يلزم، أن تكون المحطة حاملة الرسالة: عفريت سندباد المرغوب هذه المرة.

الميديا والسوشل ميديا جنون لا بد منه، فهما أفيون الشعوب، من غدت تهرول في سبق، لأجل توفير القمح عند شعوب، والمزيد من الترف عند شعوب أخرى، وكلاهما مغصوب، على نوعية الحياة التي يعيش، تحت مظلة الحرب أو الاستعداد لها. الكل في خطر عدم الأمن والإرهاب يعيشون، وهذا يزيد من الاضطرار، إلى تعاطي المزيد من أفيون الميديا.

والميديا لأجل ذلك تلبس كل لبوس، مسوح الرهبان، عمامة الفقيه، تعري الراقصة، منبر السياسي، موسيقى المغني وتغريد الطفولة، وترصد الخبر وعواجله، من "كلوت" الراقصة حتى صولجان السلطان كل شيء في كل شيء، وفي النتيجة يحصل المتلقي، على تشويش، بأن يغرق في الكم الهائل من المعلومات واللامعلومات.

طبعا نحن جميعا ندرك، أن المرسل لا يرسل رسالة بالمجان، وبالتالي تكاليف الرسالة يدفعها المتلقي ولو بأن يُشوشْ. وعلى ذلك فأجندة المرسل، تستخدم الوسائل التي تحقق الرسالة، من هذا ليس هناك خبر صادق، إلا بدرجة ما يخدم المُرسل. وفي أيامنا هذه، مع هيمنة كورونا وأوكرانيا، تبدو مهمة الميديا، أن تنشر المزيد من جنونها، بأن تساهم بقوة في جنون القمح وجنون النفط ،كما كان لها اليد الطولى في جنون كورونا.....