Atwasat

هامش رمضاني.

رافد علي الخميس 07 أبريل 2022, 12:21 مساء
رافد علي

يتزامن حلول شهر رمضان هذه السنة بفرنسا، التي رفعت كثيراً من إجراءات الوقاية الصحية المفروضة لمقاومة كوفيد19، مع إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تعد من المواضيع الساخنة فى وسط الجالية المسلمة، خصوصا بالصالونات الشبابية لأجل التسامر وكحاجة لخلق روح رمضانية، لا سيما وأن الجولة الأولى للاقتراع ستكون بعطلة نهاية هذا الأسبوع، ويعد الكاتب اليميني المثير للجدل، إريك زِمور، من ضمن أبرز المرشحين فى سباق الرئاسة، وهو المعروف بتهجمه على الإسلام وأهله، وبأسلوبٍ يتفوق على تيارات التطرف الراديكالي بالساحة الفرنسية.

زِمور، كخطاب سياسي، لا شك في أنه يمثل ظاهرة مألوفة فى كل موسم انتخابي، إلا أن هذه الظاهرة باتت تطرح حالة من الاستفهام حول قضية التجديد الديني في الإسلام، وعن جدوى محاولات الإصلاح المزعومة هنا وهناك. فالمسلمون في فرنسا لازال "منهم" من يمارس ذات الأسلوب التحفظي في قضايا مجتمعية كثيرة كالحرية وقضايا المرأة والاختلاط بين الجنسين، مما يعتبرها البعض من عوائق الاندماج المجتمعي بفرنسا، زد على ذلك أن المؤسسة الدينية في فرنسا لا تملك من النجاعة المؤسسية التي تمكنها من ممارسة دور إصلاحيٍ أو تجديدي ملح. فالمساجد هنا يبقى دورها كأدوار المساجد في بلادنا، بسبب تبعيتها للأوطان الأم، أو بسبب تبعيتها للممول الأجنبي المسلم، بما يجعل من قضية الإصلاح قضية شبه مستحيلة بحال استحالته في أوطاننا المسلمة.

فالإصلاح الديني بشكله الآني المطروح يعتبر تأسيساً جديداً للأصولية الدينية المعروفة، لأنه إصلاح منصب على العودة إلى الجذور والنصوص المؤسسة التي يكتسب منها أرباب المشهد الديني الحالي مشروعيتهم بزعم الوصول للإسلام القديم أو "الإسلام الأول"، أي طوباوية إسلامية، ليست سهلة التحقيق أو الإنجاز، بسبب عِلِّيَّة الزمن ومعطياته الراهنة المختلفة جذرياً عن واقع وتفاصيل العصور الوسطى. فمتطلبات عصرنا تقتضي فتح الباب أمام قراءة جديدة للقرآن، بقصد خلق إسلام جديد بذات الروح والجوهر، وبعيد عن سطوة ومشاكل وعُقد العصور الوسطي، كما يقدم محمد شحرور في أطروحاته المختلفة. فيحق لـ "لإسلام الجديد"، بحكم عصرنا المختلف، شكلاً وموضوعاً، أن يخوض تجربته كاملة، كما حق ذلك للإسلام "القديم"، بحسب مصطلحات سرور البنجويني. فالإسلام الجديد يشترك حتماً في أسس العبادة والمباديء الأخلاقية العامة مع "الإسلام القديم"، بما يحفظ مجتمعاتنا من الوقوع في "الفجوة الروحية السائدة بالغرب". فالإسلام الجديد، بحكم راهنه ورهاناته، صار مخولاً اليوم بأن يفتح نقاشاً جدياً وحياتياً مع العصر، وبروح العصر ذاته، من خلال نقد الواقع ونقض الماضويات في واقعنا، التي لازالت تفرض ذاتها على حاضرنا المعاش.

لا شك في أن فكرة التجديد في الإسلام، لا مجرد الإصلاح، من شأنها أن تمنح المدرسة الفقهية ذاتها قدرة تفعيل ما عرف مدرسياً بفقه المهجر، بحيث يسمح بخلق متنفس مدرسي مغاير للإبداع والاجتهاد، يتجاوز حلم الإصلاح ذاته بحكم اختلاف الحياة ومستلزماتها، ويفوّت، بالتالي، على المنصة السياسية التي يتحدث منها زِمور، وسواه، فرص انتقاد الدين الإسلامي، بوصفه ديناً لازال اسير عصور وسيطة وغابرة.

الراحل الفرنسي روجيه جارودي كان قد تنبأ في كتابه "الإسلام يسكن مستقبلنا" بأن إسلاماً جديداً سيبزغ فى الغرب بسبب توافر مقومات مهمة كمساحة الحريات المكفولة، وعصرية الحياة بأبعادها المختلفة، بما سيحرر الإسلام من الأصولية الحديثة. إلا أن الرجل في آخر أيامه تُرك وحيداً، يواجه قدرهُ مع شراسة الصهيونية العالمية لنكرانه الهولوكوست، فقط لأنه انتقد واقع "إسلام النفط"، بحسب تعابير المستشرق الألماني مراد فيلفريد هوفمان.

هوفمان الذي خاض مرارات مواجهة الإسلاموفوبيا في بلاده بسبب اعتناقه الإسلام، ولطرحه الفكري كدبلوماسي وقانوني، اعتبر أن رهاب الإسلام نتاج الاستهلاك المعاصر لنصوص الاستشراق، والصياغات الإعلامية المحافظة المرتبطة بذهنية المركزية الأوربية المتعالية، إلا أن الرجل بحكم تلمسه الروح الحقيقية فى الإسلام، بعيداً عن المدرسية فيه، أحسَ "بروح الانفتاح والاعتراف بالآخر"، فلم يتردد فيلفريد فى كتابه "الإسلام كبديل" في نقد الإسلام المدرسي السائد، والقابع تحت سطوة "الرأس مال العربي" تحديداً، المعرقل لأي إصلاح فعلي او تجديد حقيقي.

يظل التجديد في الإسلام سبيلاً شائكاً ومُعقداً، بسبب تسييس الدين المستمر عبر تاريخنا. فقد زخر عالمنا بالأسماء التي نادت بالتجديد لا بمجرد إنزال الإصلاح، الذي لم نصل به، وحتي اللحظة، لنتائج ملموسة، فالاغتراب والقهر والتكفير لازالوا من ملامح يومنا. لقد ساهم المفكر محمد إقبال من خلال كتابه إعادة بناء الخطاب الديني فى بث روح التغيير، ولعب المرحوم جمال البنا، بكتبه ومقالاته، دوراً في خلق صوت تجديدي، وظهر كذلك أحمد صبحي منصور، مؤسس تيار "القرآنيون" رغم كل ما واجهه من قسوة واضطهاد وإذلال بحقبة الثمانينيات بسبب روح التعنت في عقليتنا المتكلسة في ماضيها، وبسبب مؤسساتنا الراعية لسياسة "راوح مكانك". فما حققه العالم الإسلامي مؤخراً في الأمم المتحدة بتسمية 15 مارس من كل عام يوماً لمناهضة الإسلاموفوبيا، لن يحول دون استمرار عقدة الرهاب من الإسلام، والترويج لها بالميديا، لإن القضية تظل، رغم القرار الأممي، قضية أخلاقية لا تعول عليها السياسة لما في هذه الأخيرة من انتهازية. والأهم من ذلك هو أننا، كمسلمين، صرنا ندرك أننا نحيا فى ثقافة مأزومة مع ذاتها، بسبب قداسة قسرية لكل تراثها.