Atwasat

صنعاء السعيدة

سالم الكبتي الأربعاء 06 أبريل 2022, 11:42 صباحا
سالم الكبتي

(قالوا انتهى الشعب إنا سوف نقذفه
إلى جهنم تمحوه.. وتلغيه
الشعب أعظم بطشا يوم صحوته
من قاتليه.. وأدهى من دواهيه)
الشاعر اليمني: محمد محمود الزبيري

يا بنات المكلا.. لابد من صنعاء.
من تعز للحديدة. الطريق مش بعيدة.
الهاشمي قال هذي مسألة.. باب منا ريح قفله..
ودائما الحكمة يمانية مع الشعر والروايات والأغاني.. والقات والبن وناطحات السحاب في شبام ولحج.. وهناك قبر سيدنا هود الذي كفرت به عاد والعماليق الذين قضت عليهم الريح الحسوم في ثمانية أيام. العرب البائدة ثم العاربة وبعدها المستعربة. سد مأرب وعرش بلقيس والهدهد وسليمان الحكيم. بعد خراب السد تفرق اليمانيون. ثم غزا إبرهة الكعبة بعد أن مر باليمن لكنه لم يفلح. طيور الأبابيل سدت في وجه الفيل كل الدروب المؤدية إلى مكة.. والحكمة يمانية من زمن الأفعى الجرهمي وإيلاف قريش في الشتاء. الحكمة كانت كذلك في تلك الأقاصي وما حولها لكنها ضاعت يا قوم في هذا الزمن. لم تعد يمانية أو قحطانية أو عبسية أو مغاربية أو.. إلى غير ذلك من (أو) وأخواتها!

في 26 سبتمبر القادم يصل اليمن إلى ستين عاما من الهدير والضجيج والمتاعب والتقلبات والحروب التي لم ينفع معها القات أو البن. توفي في تلك الأيام أحمد حميد الدين إمام اليمن. ثم تولى بعده بضعة أيام ابنه البدر الذي لم يكتمل.. لم يكتمل جلوسه على كرسي الأمامة. اهتز أمام دبابات السلال ثم عبدالناصر وفر إلى الجبال العنيدة. أعني منذ ستين عاما واليمن في حرب مشتعلة. المرتزقة واللعبة الدولية التي معها الآن الإقليمية والمحلية. صراع الأفكار والعقائد والرؤوس المغلقة في وجه التنوير وضوء الشمس. حروب واقتتالات مستمرة تهدأ ثم تلتهب بشدة. الحرب أفضل عند أولئك النحفاء الجوعى الذين يحركهم الآخرون من بعيد أو قريب ولا يدعونهم يتمتعون بالبن والقات.. والحكمة يمانية. يقاتلون من أجل الكبار فقط ويموتون في سبيلهم كل يوم. كارثة يمانية بعد الحكمة بعصور طويلة.

عام 1961 قبل وفاته بسنة أسدى الإمام أحمد (نصيحة غالية) إلى أبناء العرب وقادتهم في كل مكان. أرجوزة مثل ألفية أبن مالك وزعها تلك الأيام الديوان الملكي الإمامي وكانت محل تندر في ديار العروبة! .

ومادامت الحكمة يمانية بالغة وهي ضالة المؤمن يبحث عنها لكي يجدها في اليمن أو سواه. قديما ولاحقا فقد قال الإمام المتوكل على الله في مستهلها:
(نصيحة تهدى إلى كل العرب...... ذوي البطولات العظام والحسب
نصيحة تحرك الضمائرا.......... وتوقظ القلوب والمشاعرا
وتستثير نخوة الأجداد......... وشيم الأكارم الأمجاد.
نصيحة أزفها إليهمو ........ عسى أرى قبولها لديهمو
تدعوهم لألفة القلوب ...... ووحدة الصفوف في الخطوب
وأن يكونوا كالبنا المرصوص ...... فيسلموا مذلة النكوص
ويرفعوا في قمة المجد علم ....... وينصروا الحق إذا الخطب ادلهم
مالي أراكم تملؤون الأرضا ....... قولا يفيض حسدا وبغضا
وتفعمون الجو بالشتائم ....... وتصفعون جبهة المكارم
وتصرخون من فم المذياع ..... بكل صوت ناشز الإيقاع
هيا بنا لوحدة مبنية .... على أصول بيننا مرضية
والله يهديكم إلى الرشاد .... ويبسط الخير على العباد
والأرجوزة طويلة حاول فيها الإمام أن يحقق الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج وتمضي بهذا الشكل مع تجدد وتنوع الروي والقافية في تناسق عجيب!. لم تلق الأرجوزة أي اهتمام من إخوة العروبة رغم أن الإمام جرب أن يكون تقدميا فقد اقترب من مصر والسعودية في اتحاد ثلاثي واعترف بالاتحاد السوفييتي وأقام علاقات معه وصار الخبراء يفدون بيض الوجوه عبر ميناء الحديدة. ضاعت الأرجوزة مع الأمامة في متحف التاريخ وبقيت الخناجر وحدها مع البنادق تسعى عبر وجوه الأطفال الحزانى المغبرة والتي تقارب أن تمتليء بالدود والطحالب وتحكي شعرها الخاص.

هذه الأمة العظيمة حبا الله قادتها قبل أفرادها الذين يقتلون الوقت بالتسلية والسلاح.. بالتأليف والإبداع.. من الأراجيز إلى الخطب إلى الهتافات إلى الروايات عن زبيبة إلى الكتب الخضراء والصفراء. إبداع في محله لكنه ظل لم يحرك ساكنا. ماذا تجدي الأراجيز والمقولات. كلها في مستوى واحد.. لا فرق.

والحكمة يمانية. لكنها ضاعت. وذهب الإمام وأتى من بعده آخرون ولم يتغير أي شيء في صنعاء السعيدة وما حولها من جبال وقرى. ستون عاما والحكمة أضحت سلاحا وحربا تلتهب في اليمن بأسره من أجل آخرين بعيدين عنه ولا يعرفون مقدار الفقر والبؤس والهموم التي يمتليء بها ذلك السعيد. حروب اليمن مثل حروب المنطقة.. مثل أراجيز المنطقة. حكايات القرى التي تعيد وتكرر نفسها. حروب تبدأ بالشعر ولاتنتهي بالأغاني. لكنها في العموم تبقى جمرا متقدا يشعله البعيدون عن كوارث الإنسان البائس الفقير.

والحرب يمانية. ستستمر إلى ما بعد الستين وقد تبلغ المائة عام أو يزيد مثل أعمار العماليق الذين ذهبوا في حضر موت.
فإلى متى يظل الإنسان العربي المجيد يعيش على موسيقى.. الأراجيز وصوت السلاح .
..ويابنات المكلا!!