Atwasat

جنون النفط!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 05 أبريل 2022, 10:19 صباحا
أحمد الفيتوري

«إن الأمل، لم يكتب لنا، إلا بسبب، أولئك الذين هم بلا أمل»
- والتر بنجامين

النفط الطُعم، ما جعل هتلر يغزو الاتحاد السوفيتي، وقد نسي الجنرال الروسي (الثلج)، ما وقع في براثنه قبل الجنرال نابليون. ولأجل الخلاص من فخ الجنرال الثلج، ارتكب هتلر خطأه وخطيئته، ذبح البشر من السوفييت والألمان. مارس، كإله (مارس) إله الحرب، مذبحة بشرية بشعة ولا مثيل لها، فحصد الهزيمة، هذا ما حدث، بعد أن أصاب هتلر جنون النفط.

كانت الدولة الأوربية الحديثة، أضحت آلة قومية والمكننة روحها، أما زيت هذه الروح، فغدا منذ نهاية القرن التاسع عشر، النفط، أو الشيطان، ما باع له روحه، فاوست غوته الألماني الرومانتيكي. غوته من كان زرقاء اليمامة عصر التكنولوجيا، بشر أن للتقدم التقني وجهي الإله الروماني جانوس، أحدهما يؤدي إلى التهلكة، أما الآخر فهو الجنة على الأرض، دولة التكنولوجيا، التي فيما بعد، اعتبرها هاربرت ماركوز دولة «الإنسان ذي البعد الواحد».

ما «تبشر مواطنيها صباح مساء بالخطر، فالغزو الخارجي المزعوم». تسليط هذا الخطر كفيل بقمع ودمج القوى، التي لم يستطع جهاز هذه الدولة بعد، أن يقمعها ويدمجها. وقد وفرت دولة التكنولوجيا/الرأسمالية لأفرادها الرفاهية، ما يستدعي الحماية المضطردة، وصون الحدود المهددة أبدا، من البعيد فما بالك بالجار القريب!. وحسب ماركوز فإن إنسان دولة الرفاه ذا البعد الواحد، بالضرورة يهدف إلى المزيد من الرفاهية، ومن ثم يجنح إلى التبذير.

فتكون دولة التبذير: أولا مضطرة باستمرار، إلى خلق حاجات كاذبة وإلى تلبيتها، وهي «ثانيا دولة حرب، لأن الاستعداد لمواجهة الخطر الخارجي المزعوم، المهدد لمنجزاتها، هو بالنسبة إليها ضرورة حيوية، لإبطال مفعول أي معارضة داخلية» ولدعم تماسكها. ولأجل ذلك الإنسان ذو البعد الواحد، في تلك الدولة، بضمير مرتاح سعيد، يقبل بل ويلح، على الشذوذ عن الحدود بالتوسع لحماية المكتسبات، ومن هنا يتحقق سباق التسلح فتخزين الطاقة.

النفط وتوأمه الغاز، الطاقة في دولة التبذير والحرب، ما تجعلها في هرولة محمومة إلى الاستحواذ، أولا على منابع هذه الطاقة، أو ثانيا اعتماد كلي واستسلام غير مصون لمنابعها. منذ اكتشاف هذه الطاقة، المنابع الكبرى كانت الشرق الأوسط والإمبراطورية الروسية، إذا ما استثنينا حقول الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة. إن هذه المنابع منبع للروح وحقول للوجود، ليس بأي إيحاء شعري لمحمول الجملة، بل بواقعية فجة.

وتسابق التسليح وتخزين الطاقة يحضر روح الغزو، فالمعركة حتى وهي غير قائمة، قائمة على الاستعداد لها. ما جعل العالم منذ الحرب الأوربية الكبرى الأولى، إما في حرب أو على شفا حرب.

إن جنون النفط كمنتج وكمستهلك، الجائحة المزمنة كما أجج روح الحرب الأوربية الكبرى الثانية، ما بعدها، أجج روح حرب قائمة ومؤجلة في الوقت نفسه.

والحروب الصغرى بالوكالة، علامات على هذه البنية، لدولة الإنسان ذي البعد الواحد، فلأجل الحفاظ على جنته على الأرض، يبرر الحرب ولو في صيغة الاستعداد لها، حتى بترسانة نووية كبرى، لها أن تدمر كرة الأرض أكثر من مرة. في مثل هكذا حال يكون هذا الإنسان شمشون، من يعيش حال الحريص على عدم الفقد، بالخوف من الفقد، ففقد الأمان.

عليه وحسب ماركوز أيضا فإن: «المؤسسات الحرة تتنافس مع المؤسسات الاستبدادية، لتجعل من العدو قوة مميتة.

وإذا كانت هذه القوة تحفز الإنتاجية والمبادرات، فليس ذلك لأن (قطاع) الدفاع، يكتسب أهمية ونفوذا اقتصاديين حاسمين فحسب، بل أيضا لأن المجتمع برمته يصبح مجتمعا دفاعيا. ذلك أن العدو ماثل وحاضر أبدا، وهو لا يعلن عن وجوده عرضا في أوقات الأزمة، بل هو حاضر في وقت الأشياء العادية.

وهو ينذر بالتهديد في أيام السلم، كما في أيام الحرب، ولعل تهديده أكبر في أيام السلم. وهكذا يحتل مكانه في النظام، ويغدو أحد عناصر ملامحه».

أيام الحرب إذا كما أيام السلم، ما هي توخي للحرب، تستدعى الاستكشاف المحموم للطاقة فجلبها ثم تخزينها، فالحرص المحموم على حمايتها، ما يجعل الارتهان إليها، كفيل بالجنون بها، وإن في صيغة بدائل الطاقة الأحفورية. ويوصم ماركوز ماهية هكذا مجتمع، بمفهوم ينحته: عقلانية اللاعقلانية، ما يعني فقدان العقال لعقل كذا. وفي حال كهذا يمكن استعارة المقولة الشهيرة لماركس، مع بعض التحريف بالقول: «النفط أفيون الشعوب».

الحضارة الأوروبية كما شعوبها، مصابة بصرع النفط وجنونه منذ أكثر من قرن، وتفاقم أمرها مع تحققها من مفاعيل الطاقة الأحفورية السلبية. والصين كما بقية دول العالم، اتخذوا العجل الغربي إلها، فصابها مصاب ذا الإله، ومنه غدت مستعمرات غربية أكثر، في عصر ما بعد الاستعمار. ما بعد الاستعمار أعده، شاء من شاء وأبى من أبى، كمعاصر القطب الواحد، وإن تعدد كتاب السيناريو والمخرجون.

الانفكاك من جنون النفط بالطاقة البديلة، فذاك كما توازن الرعب في كنف السلاح النووي. وحيث ليس للرعب توازن، لا بديل للطاقة الأحفورية، طالما الطاقة الوسيلة للهدف مجتمع الرفاه والتبذير. فذلك كمن يهرب من الغولة إلى سلال القلوب، حسب المثل الشعبي الليبي. فالأزمة في المرض العضال.

ما شخصه ماركوز في إنسان البعد الواحد، من عقلانيته لا عقلانية من يخوض الحروب تلو الحروب لأجل السلم والأمن الدوليين. سواء كان ذلك في صيغة هتلر وبوتين والبنتاغون، أو في صيغة ستالين وماو، أو بطريقة لكل شيخ طريقة، ككيسنجر ونيكسون، وفي بلاد الجدارة السياسية سنغافورة وبكين، والبورصات في منهاتن وطوكيو وغيرهما. وأتباع أولئك في العالم كثر، من إفطارهم على الطاولة، طاولة الغزو للأسواق وساحات المعارك، الحشد لأجل مثلث برمودا الحرب/ السلم/ الأمن.