Atwasat

العودة إلى الماضي في الشعر والرسم

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 03 أبريل 2022, 11:17 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

برزت، منذ عشر سنوات على الأقل، ظاهرة شعرية لدى الشعراء الشباب في ليبيا والمنطقة العربية، تتمثل في العودة إلى شكل القصيدة العربية التقليدية، وبعض هؤلاء الشباب يكتبون هذا النوع الشعري بتمكن وإيجادة على المستوى الجمالي.

تبرز هذه الظاهرة بعد أن رسخ الاعتقاد بأن كتابة الشعر وفق المواصفات القديمة قد تجاوزها الزمن وأن المعركة قد حسمت، نهائيا، لصالح الشعر الحديث (= شعر التفعيلة) ثم قصيدة النثر.

وما دمنا نتحدث عن ظاهرة، فمن المؤكد أن لهذه الظاهرة، شأنها شأن غيرها من الظواهر، أسبابا، واضحة أو خفية، تدفع بها إلى سطح الحياة الأدبية.

هذا المقال يطرح فرضية حول السبب الماثل خلف نشوء هذه الظاهرة.

نظن أن السبب الدافع إلى ذلك هو ارتفاع موجة المذهب الديني الوهابي واجتياحها المنطقة العربية، باعتبار الوهابية مذهبا سلفيا نقليا يستدبر المستقبل، ميمما وجهه شطر الماضي، من خلال تمجيد السلف والحياة الغابرة.

هذا الوضع خلق مناخا نفسيا عاما تسيطر عليه، بهذه الدرجة أو تلك، رياح تمجيد الماضي. وفي خضم هذا المناخ نشأ الشعور، لدى الشعراء، بضرورة الارتباط بالماضي وجذوره.

ونحن لا نعني أن هذا التأثير مباشر (= آلي) وإنما هو غير مباشر وخفي. كما لا نعني أن الاستجابة له على صعيد الشعر واعية ومتعمدة، بل هي، غالبا، لاواعية ولا تصدر عن نية مبيتة في هذا الاتجاه، ومن هنا يتوفر في بعض هذه التجارب الشعرية بعد جمالي واضح، كما أن مضامين هذه الأشعار لا تحتوي بعدا دينيا، وعودتها إلى الماضي تقتصر على متحها من قصائد الغزل والحب والعشق العربية، وتستخدم بعض جماليات الحداثة، مثل التكثيف اللغوي، والاتكاء على اجتراح المفارقة في نهاية القصيدة.

وما يدعم طرحنا أعلاه أن العودة إلى الماضي تجلت أيضا في الرسم، حيث نلحظ عودة إلى الرسم الواقعي الكلاسيكي الذي يحاكي المواضيع الواقعية، ونجد في اللوحات التي من هذا النوع دقة في "النقل" تنافس الصور الملتقطة بآلات التصوير.

إن تأثير الموجة الدينية السلفية، الوهابية تحديدا، لا يمتد إلى التأثير في المضامين الشعرية ومضامين لوحات الرسم، وإنما يقتصر على العودة إلى ماضي القصيدة العربية واللوحة التشكيلية، وكذلك في الموقف المضاد للحداثة. إلا أنه إذا كان الموقف من الحداثة موقفا عدائيا جهيرا لدى المذهب الوهابي، فإنه في الشعر والرسم لا يشي بالعداء، وإنما يقتصر على مجرد الانصراف عنها.