Atwasat

ليبيا على هامش أوكرانيا.

رافد علي الخميس 31 مارس 2022, 11:17 صباحا
رافد علي

مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا والتصعيد فيها سياسياً وإعلامياً ضد موسكو، ومع ما يتجسد على الأرض من دعم اوروبي وأمريكي للأوكرانيين لتعقيد الوضع لبوتن ورفع كلفة الحرب لقرار الكرملين، تأتي ليبيا ضمن تجاذبات الساسة في العواصم المهتمة بالوساطة بين روسيا ودول الناتو من جهة، والدول المنخرطة فى الأزمة الليبية فى خضم تجاذبات موسكو وواشنطن من جهة ثانية. فتركيا كإحدى الدول المنخرطة بقوة في الأزمة الليبية والحياة السياسية فيها، من البلدان التي تعارض العقوبات على موسكو، وتلعب في الوقت ذاته دوراً فى الوساطة بين الغرب وموسكو الداعمة لحفتر وحكومة الاستقرار برئاسة باشاغا.

فالغرب لازال يعتقد بأن مرتزقة فاغنر الروسية "تلعب دوراً تخريبياً في ليبيا وأفريقيا" بحسب تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لليبيا ريتشارد نورلاند في أنقرة بعطلة نهاية الأسبوع الماضي، وفي وقت روج الإعلام العالمي أن وكالة فاغنر الروسية تنشر أعدادا كبيرة من عناصرها بشرق أوكرانيا، منهم مقاتلون من الشرق الأوسط- لتعزيز آلة الحرب الروسية هناك، وبثت قناة الحرة الأمريكية الناطقة بالعربية، نقلاً عن وكالة الأنباء الأوكرانية، ان "مقاتلين ليبيين من المرشح أن يرسلهم المشير حفتر عن طريق فاغنر لدعم موسكو." فليبيا بسبب تقاطع مصالح الروس والأمريكان والأتراك والأوربيين فيها تظل ورقة تفاوضية بينهم جميعاً.

تحركات نورلاند بالمنطقة، من القاهرة إلى أنقرة، خلال الأيام القليلة الماضية تأتي فى وقت تنشط فيه المستشارة الأممية فى ليبيا ستيفاني وليامز عبر لقاءات مختلفة لأجل تعزيز موقفها الرامي إلى خلق قاعدة دستورية لانتخابات رئاسية وبرلمانية، فى ظل غياب نواب برلمان طبرق عن هذه المبادرة السياسية. فالبرلمان منكب، ومن طرف واحد، على وضع خارطة طريقه السياسية للبلاد على القضبان كونه يعمل بعيداً عن المفوضية الأممية المختصة بالملف الليبي. إلا أن الواضح واقعياً أن المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز، الحاصلة الآن على دعم دولي كبير لمبادرتها بوضع قاعدة دستورية للانتخابات أنها تحقق اختراقات في صفوف ليبية مختلفة، تجعل من خارطة البرلمان في حالة عزلة غير معلنة، ويتضح ذلك من خلال تصريحاتها الأخيرة لفرانس بريس التي كشفت فيها عن حصيلة لقاءاتها مع "آلاف الليبيين" الذين يؤيدون خطتها للوصول للانتخابات، وتعتبر برنامجها "قد وصل لنقطة حاسمة بالنسبة لهم لكي يأتوا إلى الحوار بنوايا طيبة وبحسن نية من أجل حل هذه الأزمة"، وهي تصريحات اعتبرها أكثر من مراقب للشأن الليبي رسالة لبرلمان طبرق.

تحركات نورلاند الرامية لإجراء انتخابات بليبيا عبر خلق توافقات للدول المعنية بالشأن الليبي، حطت أولاً في القاهرة، المنشغلة بالملف الأمني الليبي بحكم طول الشريط الحدودي، وتحركات الإرهاب والسلاح بالعمق الليبي، فهى الداعمة للجنرال حفتر، ومؤيدة لحكومة باشاغا، فلا تخفي القاهرة تبريكاتها لمساعي وليامز في تحريك الجمود السياسي بليبيا منذ سبتمبر الماضي، بل إن القاهرة أعادت علاقاتها الدبلوماسية المقطوعة منذ سنوات مع إمارة قطر، الداعمة للإسلام السياسي بليبيا، وممثله خالد المشري نائب رئيس مجلس الأمة، الذي حط رئيسه المنفى يوم الاثنين الماضي بالقاهرة، والتقى بالرئيس السيسي يوم الثلاثاء، وأكد بيان وزارة الخارجية المصرية على أن السيسي أكد على "دعم مصر بكل ما من شأنه تحقيق المصلحة العليا لليبيا والحفاظ على وحدة أراضيها وتفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي، مذكرًا بالمبدأ المصري الثابت الداعم لاضطلاع مؤسسات الدولة الليبية بمسئولياتها ودورها وصولًا إلى عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، وإنهاء المرحلة الانتقالية، بما يتيح للشعب الليبي المجال لتقرير مصيره واختيار قياداته وممثليه".

في ظل كل هذا التطورات على الأرض تبقى الأبصار معلقة للحظة لقاء باشاغا والدبيبة للتفاوض حول الوضعية السياسية الجامدة اليوم، ومن المرجح أن تتم جلسة التفاوض في تركيا، باعتبارها قريبة من الرجلين، فتركيا تبدو منشغلة بحرب أوكرانيا المؤثرة على اقتصادها، فهي "المستفيدة من السواح الروس والغاز الروسي وصفقات تجارية أخرى تقدر بالبلايين". فتركيا تجد نفسها اليوم في موقف صعب أمام العقوبات المفروضة على موسكو، خصوصاً وأنها مدرجة على اللائحة الرمادية لمنظمة The Financial Action Task Force المهتمة بجرائم غسيل الأموال، فأنقرة لازالت مطالبة بتخطي العديد من التحديات للخروج من هذه اللائحة بسبب تجاوزات تركية للتحايل علي العقوبات الدولية المفروضة على إيران. فالعديد من المراقبين يتخوفون اليوم من أن تعاود أنقرة الكَرة مع موسكو رغم دورها في الوساطة الحالية بين موسكو والغرب. ولعل هذا الانشغال التركي من الأسباب التي تبطيء الوساطة التركية بين الدبيبة وباشاغا، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة فرصة زمنية أطول لنورلاند ليجس نبض دول الجوار الليبي، والأخرى المنخرطة في أزمتها للوصول لرؤية أكثر وضوحاً بشكل يعزز موقف بلاده فى ليبيا، وتقوي مبادرة السيدة وليامز السياسية لليبيا، وبطريقة تضعف بوتن وسياسته في الأزمة الليبية بما يفقده إحدى أوراقه، ويبعد عنه بعضاً من حلفائه ضمن تدابير أمريكية تسعى لفرض عزلة دولية أكثر عليه.

تبقى الأوضاع الليبية معلقة في الهواء، ومرهونة حالها جداً بحسابات أخرى بعيدة عنها، بما يجعل ليبيا في أزمتها أنها تجاوزت صفة أزمة إقليمية.